للعلم منذ حداثته إلى أن توفّاه الله تعالى. فقد وهب نفسه للعلم، وأعطى العلم أعظم نصيب من وقته ومن جهده. كانت عزيمته الماضية تتأبى على الفتور والكلال، فتسلح بالصبر، والنشاط. بهذه العزيمة طوّف في كثير من الأقطار، فسمع من كبار العلماء بطبرستان، والعراق، والشام، ومصر.
وبهذه العزيمة قرأ كثيرا، وحفظ كثيرا، وألف كثيرا، وكان يستهين بالجهد المضني، ويستسهل الصعب المجهد. وبهذه العزيمة كان يقرأ وهو شديد المرض، فقد ذكر تلميذه «ابن كامل» أنه زاره قبل المغرب وهو شديد العلة، فرأى تحت مصلّاه «فردوس الحكمة» لعلي بن زين الطبري (?).
وكانت عزيمته القويّة، تنشّطه إلى القراءة وهو في الخامسة والثمانين من عمره، ولم يكن يقنع بالقراءة في ذلك الوقت، بل كان يتدبّر ما يقرأ، ويتمعن فيه، ويخطّ بقلمه في كثير من المواضع (?).
وكانت ثمرات هذه العزيمة أنه خلّف ثروة عظيمة من المؤلفات في كثير من العلوم المختلفة، وهذا ما سيتضح جليا بإذن الله تعالى أثناء الحديث عن مؤلفاته.
ومن صفات «أبي جعفر الطبري» ظرفه: كان «أبو جعفر الطبري» مع كثرة اشتغاله بالعلم إلا أنه لم يصرفه ذلك عن الدعابة، ووجاهة السمت، وأناقة المظهر، والتنعم بما أحله الله تعالى، فقد كان ظريفا في ظاهره، نظيفا في باطنه، حسن العشرة لمجالسيه، مهذبا في جميع أحواله.
ومن صفات «الطبري» تعدد ثقافته: وحقا أن منهوم العلم لا يشبع، كما أن منهوم المال لا يقنع، وأنى لمنهوم العلم أن يشبع، وهو يجد في كل لون من