قال: ولقد حدثني القاضي المكين بن حيدرة, وهو من أعيان الشهود, أن من جملة الخدم التي كانت بيده مشارفة الجامع العتيق وأن القَوَمة بأجمعهم كانوا يجتمعون قبل ليلة الوقود بمدة إلى أن يكملوا ثمانية عشر ألف فتيلة, وأن المطلق برسمه خاصة في كل ليلة برسم وقوده أحد عشر قنطارا ونصف قنطار زيت طيب. وذكر ركوب القاضي والشهود في الليلة المذكورة على جاري العادة.
قال: وتوجه الوزير المأمون يوم الجمعة ثاني الشهر بموكبه إلى مشهد السيدة نفيسة وما بعده من المشاهد, ثم إلى جامع القرافة, وبعده إلى الجامع العتيق بمصر, وقد عم معروفه جميع الضعفاء وقَوَمة المساجد والمشاهد وصلى الجمعة. وعند انقضاء الصلاة أحضر إليه الشريف الخطيب المصحف الذي بخط أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فوقع بإطلاق ألف دينار من ماله, وأن يصاغ عليه فوق حلية الفضة حلية ذهب, وكتب عليه اسمه. وفي الخامس عشر من الشهر المذكور ليلة الوقود جرى الحال في ركوب القاضي وشهوده على الترتيب الذي تقدم في أول الشهر. ولما وصل إلى الجامع وجده قد عبي في الرواق الذي عن يمين الخارج منه سماط كعك وخشكنانج وحلوى, فجلس عليه بشهوده ونهبه الفقراء والمساكين. وتوجه بعده إلى ما سواه من جامع القرافة وغيره. فوجد في رواق الجامع المذكور سماطا مثل السماط المذكور, فاعتمد فيه على ما ذكره. وله أيضا رسم صدقة في هذا النصف للفقراء وأهل الربط مما يفرقه القاضي عشرة دنانير يفرقها ...