ومن يوم نزوله كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبينه للناس على قدر حاجتهم وقدر تقبلهم وقدر مستواهم يوم نزل، فبين أشياء وسكت عن أشياء رحمة بهم غير نسيان، يقول الله تبارك وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (?) ويقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (?). وقد
روى أبو داود عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أَلاَ وَإِنِّي قد أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ (?)»، قال العلماء في معنى هذا القول:
إنه قد أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو أو أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى وأوتي من البيان مثله.
وقد جاء بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمجمل القرآن كبيانه للصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر أحكامها وكبيانه لمقدار الزكاة ووقتها ونصابها، وبيانه لمناسك الحج وغيره كثير، وقد عرف من أقواله - صلى الله عليه وسلم -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وقوله: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي». الخ ...
وقد روى الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: "كَانَ الوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَحْضُرُهُ جِبْرِيلُ بالسُنَّةِ الَّتِي تُفَسِّرُ ذَلِكَ (?) ".
وقد أخذ الصحابة رضوان الله عليهم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - القرآن حفظا وبيانا فثبت أنه كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فيعلمهم القرآن والعمل جميعا .. فكأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يفهمهم أن العلم ليس رواية فحسب بل هو دراية وتطبيق ...
ولذلك كانت قلوب الصحابة في غاية من الاستنارة، وبصائرهم على تمام من الكشف والنفاذ، ومن ذلك كانت قدرتهم على فهم آيات الكتاب وعلى تأويله والاستنباط منه.
بيد أنه مع ذلك لم يرو عنهم تفسير القرآن كله أو تأويله بجملته، وإنما انتصروا على بيان ما استغلق على بعضهم فهمه، وبصورة مجملة ودونما تفصيل، ولم يثبت أن هذا الذي فسروه قد دون في عصرهم، بل كل الذي عرف عنهم فيه أنه