الأَنْدَلُسِيُّ فَهُوَ الْعَلَمُ الْفَرْدُ وَالْبَحْرُ الَّذِي لَمْ يَعْرِفِ الْجَزْرَ بَلِ الْمَدَّ، سِيبَوَيْهُ الزَّمَانِ وَالْمُبَرِّدُ إِذَا حَمِيَ الْوَطِيسُ بِتَشَاجُرِ الأَقْرَانِ، وَإِمَامُ النَّحْوِ الَّذِي لِقَاصِدِهِ مِنْهُ مَا يَشَاءُ، وَلِسَانُ الْعَرَبِ الَّذِي لِكُلِّ سَمْعٍ لَدَيْهِ إِصْغَاءُ، كَعْبَةُ علمٍ تُحَجُّ وَلا تَحُجُّ وَتُقْصَدُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ، تَضْرِبُ إِلَيْهِ الإِبِلُ آبَاطَهَا، وَتَفِدُ عَلَيْهِ كُلُّ طائفةٍ سُفَّرًا لا تَعْرِفُ إِلا نَمَارِقَ الْبِيدِ بِسَاطَهَا، وَكَانَ عَذْبًا مَنْهَلا، وَسَيْلا يَسْبِقُ ارْتِدَادَ الطَّرْفِ وَإِنْ جَاءَ مُتَمَهِّلا، يَعُمُّ الْمَسِيرَ إِلَيْهِ الْغُدُوُّ وَالرَّوَاحُ، وَيَتَنَافَسُ عَلَى أَرَجِ ثَنَائِهِ مِسْكُ اللَّيْلِ وَكَافُورُ الصَّبَاحِ، وَلَقَدْ كَانَ أَرَقَّ مِنَ النسيم نفساً وأعذب مما في الكؤوس لَعَسًا، طَلَعَتْ شَمْسُهُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَاقْتَعَدَ مِصْرَ فَكَانَ نِهَايَةَ مَطْلَبِهَا، وَجَلَسَ بِهَا فَمَا طَافَ عَلَى مِثْلِهِ سُورُهَا، وَلا طَارَ إِلا إِلَيْهِ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ قَشَاعِمُهَا وَنُسُورُهَا وَازْدَهَتْ بِهِ ولا ازدهاءها بالنيل وَقَدْ رَوَاهَا، وَافْتَخَرَتْ بِهِ حَتَّى لَقَدْ لَعِبَتْ بِأَغْصَانِ أَلْبَانِ مُهَابِ صِبَاهَا. انْتَهَى كَلامُهُ.

مَوْلِدُهُ فِي أَوَاخِرِ شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّ مئة بمطخشارش، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ السَّبْتِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صفر سنة خمس وأربعين وسبع مئة بِظَاهِرِ الْقَاهِرَةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الصُّوفِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّانَا.

قَرَأْتُ عَلَيْهِ ((نُغْبَةَ الْوَارِدِ الظَّمْآنِ)) مِنْ تَأْلِيفِهِ فِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وسبع مئة بِالصَّالِحِيَّةِ مِنَ الْقَاهِرَةِ.

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلامَةُ شَيْخُ النُّحَاةِ، حُجَّةُ الْعَرَبِ، قُدْوَةُ الْحُفَّاظِ وَالْعُلَمَاءِ، أَثِيرُ الدِّينِ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ الأَنْدَلُسِيُّ الْجَيَّانِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ الْفَقِيهُ الْمُقْرِئُ الْمُفَسِّرُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الرُّعَيْنِيُّ ابْنُ الطَّبَّاعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015