وأنشدني أبو طاهر إسماعيل بن عبد الرحمن الأنصاري المصري بمصر في سنة اثنتي عشرة وستمائة قال: أنشدني أبو محمد الحسن بن علي بن الزبير مطلع قصيدة:
أعلمت حين تجاور الحيّان ... أنّ القلوب مواقد النيران
وعلمت أن صدورنا قد أصبحت ... في القوم وهي مرابض الغزلان
وعيوننا عوض العيون أمدّها ... ما غادروا فيها من الغدران
ما الوجد هزّ قناتهم بل هزّها ... قلبي لما فيه من الخفقان
وتراه يكره أن يرى أظعانهم ... فكأنّما أصبحت في الاظعان
وكان لما جرى لأخيه الرشيد ما جرى من اتّصاله بالملك صلاح الدين يوسف بن أيوب عند كونه محاصرا بالاسكندرية- كما ذكرناه في بابه- قبض شاور على المهذب وحبسه، فكتب إلى شاور شعرا كثيرا ليستعطفه فلم ينجع، حتى التجأ إلى ولده الكامل أبي الفوارس شجاع بن شاور ومدحه بأشعار كثيرة، وهو في الحبس، حتى قام بأمره واستخرجه من حبسه، وضمّه إليه واصطنعه، فمن ذلك قوله من قصيدة:
يا صاحبي سجن الخزانة خلّيا ... نسيم الصبا ترسل إلى كبدي نفحا
وقولا لضوء الصبح هل أنت عائد ... إلى ناظري أم لا أرى بعدها صبحا
ولا تيأسا من رحمة الله أن أرى ... سريعا «1» بفضل الكامل العفو والصفحا
فإن تحبساني في النجوم تجبّرا ... فلن تحبسا مني له الشكر والمدحا
وكتب إليه:
وما كنت أخشى قبل سجنكما على ... دموعي أن يقطرن خوف المقاطر
وما لي من أشكو إليه أذاكما ... سوى ملك الدنيا شجاع بن شاور
ومما قاله فيه، وهو لعمري من رائق الشعر وجيّده:
إذا أحرقت في القلب موضع سكناها ... فمن ذا الذي من بعد يكرم مثواها
وإن نزفت ماء العيون بهجرها «2» ... فمن أيّ عين تأمل العيس سقياها