نسائلكم هل من قرى لنزيلكم ... بملء جفون لا بملء جفان
فلما قرأ أبو أحمد الكتاب أقعد تلميذا له فأملى عليه الجواب عن النثر نثرا وعن النظم نظما، وبعث به إليه في الحال، وكان في آخر جوابه أبياته التي ذكرها على الحال:
وقد حيل بين العير والنزوان
وهو تضمين إلا أن الصاحب استحسنه ووقع ذلك منه موقعا عظيما وقال: لو عرفت أن هذا المصراع يقع في هذه القافية لم أتعرض لها، وكنت قد ذهلت عنه وذهب علي. ثم إن أبا أحمد قصده وقت حلوله بعسكر مكرم بلده، ومعه أعيان أصحابه وتلامذته في ساعة لا يمكن الوصول إليه إلا لمثله، وأقبل عليه بالكلية بعد أن أقعده في أرفع موضع من مجلسه، وتفاوضا في مسائل فزادت منزلته عنده، وأخذ أبو أحمد منه بالحظ الأوفر وأدرّ على المتصلين به إدرارا كانوا يأخذونه إلى أن توفي وبعد وفاته أيضا فيما أظنّ. ولما نعي إليه أنشد فيه:
قالوا مضى الشيخ أبو أحمد ... وقد رثوه بضروب النّدب
فقلت ماذا فقد شيخ مضى ... لكنه فقد فنون الأدب
ثم ذكر السلفي وفاته كما تقدم. هذا آخر ما ذكره من خبر أبي أحمد، هذا كلّه من كتاب السلفي.
ثم وجدت مما أنبأني به أبو الفرج ابن الجوزي عن ابن ناصر عن أبي زكريا التبريزي وعن أبي عبد الله ابن الحسن الحلواني عن أبي الحسن علي بن المظفر البندنيجي قال: كنت أقرأ بالبصرة على الشيوخ فلما دخلت سنة تسع وسبعين وثلاثمائة إلى الأهواز بلغني حال أبي أحمد العسكري فقصدته وقرأت عليه، فوصل فخر الدولة والصاحب ابن عباد، فبينا نحن جلوس نقرأ عليه وصل إليه ركابيّ ومعه رقعة، ففضها وقرأها وكتب على ظهرها جوابها، فقلت: أيها الشيخ ما هذه الرقعة؟ فقال: رقعة الصاحب، كتب إليّ:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم ... ضعفنا فما نقوى على الوخدان
الأبيات الثلاثة المتقدمة، قلت: فما كتبت إليه في الجواب؟ قال: قلت: