أبين من منظومك، فما هذا الذي طوّعت له نفسك، وسدّد عليه رأيك؟ اني أظنّ أن السلامة بالسكوت تعافك، والغنيمة بالقول ترغب عنك، والله المستعان، فقال ابن العميد وقد أعجب بما قال أبو سعيد:
فتى كان يعلو مفرق الحقّ قوله ... إذا الخطباء الصيد عضّل قيلها
جهير وممتدّ العنان مناقل ... بصير بعورات الكلام خبيرها
القائل القول الرفيع الذي ... يمرع منه البلد الماحل
والتفت إلى العامري فقال:
وإنّ لسانا لم تعنه لبابة ... كحاطب ليل يجمع الرذل حاطبه
وذي خطل بالقول يحسب انه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله «1»
وفي الصمت ستر للعيّي وإنما ... صحيفة لبّ المرء أن يتكلما «2»
وفي الصمت ستر وهو أولى بذي الحجى ... إذا لم يكن للنطق وجه ومذهب
ثم أقبل على ابن فارس معلمه فقال: لسنا من كلام أصحابك في الفرضة «3» والشط «4» .
قال أبو حيان: فلما خرجنا قلت لأبي سعيد: أرأيت أيها الشيخ ما كان من هذا الرجل الخطير عندنا الكبير في أنفسنا؟ قال: ما دهيت قطّ بمثل ما دهيت به اليوم، لقد جرى بيني وبين أبي بشر صاحب «شرح كتاب المنطق» سنة عشرين وثلاثمائة في مجلس أبي الفضل ابن الفرات مناظرة كانت هذه أشوس «5» وأشرس منها.