والآخر لم أحصل على اعتراضه قيل لك: استخرج بنظرك الاعتراض إن كان ما قاله محتملا له، ثم أوضح الحقّ منهما، لأن الأصل مسموع لك حاصل عندك، وما يصحّ به أو يطّرد عليه يجب أن يظهر منك، فلا تتعاسر علينا، فإن هذا لا يخفى على أحد من الجماعة. فقد بان الآن أن مركّب اللفظ لا يحوز مبسوط العقل، والمعاني معقولة ولها اتصال شديد وبساطة تامّة، وليس في قوة اللفظ من أيّ لغة كان أن يملك ذلك المبسوط ويحيط به وينصب عليه سورا ولا يدع شيئا من داخله أن يخرج ولا شيئا من خارجه أن يدخل خوفا من الاختلاط الجالب للفساد، أعني أن ذلك يخلط الحقّ بالباطل ويشبّه الباطل بالحق، وهذا الذي وقع الصحيح منه في الأول قبل وضع المنطق، وقد عاد ذلك الصحيح في الثاني بهذا المنطق. وأنت لو عرفت العلماء والفقهاء ومسائلهم ووقفت على غورهم في نظرهم، وغوصهم في استنباطهم وحسن تأويلهم لما يرد عليهم، وسعة تشقيقهم للوجوه المحتملة والكنايات المفيدة والجهات القريبة والبعيدة، لحقرت نفسك وازدريت أصحابك، ولكان ما ذهبوا إليه وتابعوا عليه أقلّ في عينك من السها عند القمر، ومن الحصى عند الجبل. أليس الكندي- وهو علم في أصحابك- يقول في جواب مسألة: «هذا من جواب عدة» «1» فعدّ الوجوه بحسب الاستطاعة على طريق الإمكان من ناحية الوهم بلا ترتيب حتى وضعوا له مسائل من هذا [الشكل] وغالطوه بها وأروه [أنها] من الفلسفة الداخلة، فذهب عليه ذلك الوضع، فاعتقد أنه مريض العقل فاسد المزاج حائل الغريزة مشوّش اللب، قالوا له:
أخبرنا عن الاسطقسات الأجرام واصطكاك تضاغط الأركان «2» هل يدخل في باب وجوب الإمكان أو يخرج من باب الفقدان إلى ما يخفى عن الأذهان؟ وقالوا له أيضا:
ما نسبة «3» الحركات الطبيعيّة إلى الصور الهيولانية؟ وهل هي ملابسة للكيان في حدود النظر والبيان أو مزايلة له على غاية الإحكام؟ وقالوا له: ما تأثير فقدان الوجدان في عدم الإمكان عند امتناع الواجب من وجوبه في ظاهر ما لا وجوب له لاستحالته في إمكان أصله؟ وعلى هذا فقد حفظ جوابه عن جميع هذا على غاية الركاكة والضعف