تأخرنا عن جادة الطريق، ولم يسمع أبو العباس لصممه صوت الحوافر، فصدمته دابة الخادم فسقط على رأسه في هوة من الطريق قد أخذ ترابها، فلم يقدر على القيام، فحملناه إلى منزله كالمختلط يتأوه من رأسه، وكان سبب وفاته رحمه الله.
وحدث المرزباني عن أحمد بن محمد العروضي قال: إنما فضل أبو العباس أهل عصره بالحفظ للعلوم التي تضيق عنها الصدور، وقد كان أبو سعيد السكري كثير الكتب جدا، فكتب بيده ما لم يكتبه أحد، فكانا في الطرفين لأن أبا سعيد كان غير مفارق للكتاب عند ملاقاة الرجال، وأبو العباس لا يمسّ بيده كتابا اتكالا على حفظه وثقة بصفاء ذهنه.
قال الخطيب: سمع- يعني ثعلب- محمد بن سلام الجمحي ومحمد بن زياد الأعرابي وعلي بن المغيرة الأثرم وإبراهيم بن المنذر الحزامي وسلمة بن عاصم وعبيد الله بن عمر القواريري والزبير بن بكار وخلقا كثيرا. وروى عنه محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش وإبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه وأبو بكر ابن الأنباري وأبو عمر الزاهد وأبو الحسن ابن مقسم وأحمد بن كامل القاضي وخلق كثير. وكان يقول: سمعت من القواريري مائة ألف حديث.
قرأت بخط أبي سالم الحسن بن علي قال، نقلت من خط الحسن بن علي بن مقلة، قال أبو العباس أحمد بن يحيى: ابتدأت النظر في العربية والشعر واللغة في سنة ست عشرة ومولدي سنة مائتين في السنة الثانية من خلافة المأمون. قال أبو العباس «1» : ورأيت المأمون لما قدم من خراسان في سنة أربع ومائتين وقد خرج من باب الحديد، وهو يريد قصر الرصافة، والناس صفّان إلى المصلّى. قال: وكان أبي قد حملني على يده، فلما مرّ المأمون رفعني وقال لي: هذا المأمون وهذه سنة أربع ومائتين، فحفظت ذلك إلى هذه الغاية، وحذقت العربية، وحفظت كتب الفراء كلّها حتى لم يشذّ عني حرف منها ولي خمس وعشرون سنة، وكنت أعنى بالنحو أكثر من عنايتي بغيره، فلما أتقنته أكببت على الشعر والمعاني والغريب ولزمت أبا عبد الله ابن الاعرابي بضع عشرة سنة. وأذكر يوما وقد صار إلى أحمد بن سعيد بن سلم وأنا عنده