سنة ثلاث وأربعمائة متصلا بخدمة شاهنشاه الأعظم جلال الدولة ابن بهاء الدولة وقد مات النهرجوري قبل ذلك بشهور بعلة طريفة لحقته من ظهور القمل في جسمه عند حكه إياه إلى أن مات. وكان شيخا قصيرا شديد الأدمة سخيف اللبسة وسخ الجملة سيّء المذهب متظاهرا بالإلحاد غير مكاتم له، ولم يتزوج قط ولا أعقب، وكان قويّ الطبقة في الفلسفة وعلوم الأوائل، ومتوسطا في علوم العربية وعلمه بها أكثر من شعره. وكان ثلّابة للناس هجاء قليل الشكر لمن يحسن إليه غير مراع لجميل يسدى إليه. وأنشدني أشياء كثيرة من شعره ومنه:
من عاذري من رئيس ... يعدّ كسبي حسبي
لما انقطعت إليه ... حصلت منقطعا بي
فسمع ذلك أبو العباس ابن ماسرجيس فقال: هذا تدليس منه وأنا المقصود بالهجو، وإنما قال: من عاذري من وزير، وقد راقبني في تعبيره، فلما توفي النهرجوري حمل إلى أبي العباس مسوّداته، فوجد فيها القطعة منسوبة إليه فأخرجها ووقفني عليها وعرفني صحّة حدسه فيه.
ومن شعره في أبي الوفاء ابن الصيقل:
ما استخرج المال بمثل العصا ... لطالبيه من أبي الغدر
أليس قد أخرج موسى بها ... لقومه الماء من الصخر
وله أيضا:
صاح نديمي وشفّه الطرب ... يا قومنا إنّ أمرنا عجب
نار إذا الماء مسها زفرت ... كأنها لالتهابها حطب
وله يهجو طبيبا من أهل الأبلّة يعرف بابن غسان، وكان قد أغري بهجائه:
يا طبيبا داوى كساد ذوي الأكفا ... ن حتى أعادهم في نفاق
إن تكن قد وصلت رزقهم في ... ها فكم قد قطعت من أرزاق
وقّع الله في جبينك للأر ... زاق أن ودّعي وداع الفراق