الكلم في وجوهها وأبوابها. فاختصرت وقصرت، وعلى النّبذ القصير «1» اقتصرت، وما أعرف هذه العلة إلا من عوادي فراقه، ودواعي اشتياقه، ولئن كانت النعمة بمكانه خارجة عن القياس، غير خافية من جميع الناس، إنها ازدادت الآن ظهورا، وإن لم يكن قدرها مستورا، وقدر النعمة لا يعرف إلا بعد الزوال، ولا يتحقق إلا مع الانتقال. أهّلنا الله لعودها، لنحسن جوارها بالشكر لها وحمدها. وأصحبه السلامة حالّا ومرتحلا، ومقيما ومنتقلا، إنه خير صاحب، يصحب كلّ غائب.
وله: وصل كتاب الشيخ فيما حلّاني به من صفاته التي هو بها حال، وأنا منها خال، وقد كان أعارني منها عارية، وجدت نفسي منها عارية، لكنه نظر إليّ بعين رضاه، وشهد لي بقلب هواه. فلا ينظرنّ بعين الرضى فنظرتها ربما تجنح، ولا يشهدنّ بقلب الهوى فإنها شهادة تجرح.
وله: كلّ من ورد جناب الشيخ من أمثالي إنما ورد بأمل منفسح، ثم صدر بصدر منشرح، إذ ما امتدت إليه يد فارتدت عاطلا، ولا توجّه تلقاءه رجاء فعاد باطلا. وأنا أجلّه أن يفسخ من بينهم ذريعة رجائي، وينسخ شريعة ولائي، بل أظنّ إن لم يفضّلني «2» عليهم في المراتب «3» ، لم ينقصني عنهم في الواجب، ثم ليس طمعي في ماله، فكفاني ما شملني من إفضاله، بل كفاه ما تكلّفه في هذا الوقت من كلفة المروّة، التي تنوء بالعصبة أولي القوّة، ولكن طمعي في جاهه ومن ضنّ به ملوم، إذ البخل به لوم.
ومن أشعاره يمدح أبا العباس خوارزمشاه:
أشبه البدر في السنا والسناء ... وحوى رقة الهوى والهواء
وأتى الشيب بعدها منذرا «4» لي ... عن يد الدهر بالبلى والبلاء
وإذا شاء بالندى الملك العا ... دل في المجد والعلا والعلاء
أبدل الشين منه سينا وأوطا ... ني الثريا من الثرى والثراء