فصل [ثان] في فضيلة علم الأخبار

قال أبو الحسن علي بن الحسين [1] ، قالوا: لولا تقييد العلماء خواطرهم بالأخبار وكتبهم للآثار [2] لبطل أول العلم وضاع آخره، إذ كان كلّ علم من الأخبار يستخرج، وكلّ حكمة منها تستنبط، والفقر منها تستثار [3] ، والفصاحة منها تستفاد، وأصحاب القياس عليها يبنون، وأهل المقالات بها يحتجّون، ومعرفة الناس منها تؤخذ، وأمثال الحكماء فيها توجد، ومكارم الأخلاق ومعاليها منها تقتبس، وآداب سياسة الملك والحزم منها تلتمس، فكلّ غريبة بها تعرف، وكلّ عجيبة منها تستطرف، وهو علم يستمتع بسماعه العالم والجاهل [4] ، ويستعذب موقعه الأحمق والعاقل ويأنس مكانه، وينزع إليه الخاصيّ والعامي، ويميل إلى روايته العربيّ والعجمي؛ وبعد فإنه يوصل به إلى كلّ [5] كلام، ويتزين به في كلّ مقام، ويتجمّل به في كلّ مشهد، ويحتاج إليه في كلّ محفل. ففضيلة علم الأخبار تتيه على كلّ علم، وشرف منزلته صحيحة [6] في كلّ فهم؛ فلا يصبر على علمه ويتقن ما فيه من إيراده وإصداره إلا إنسان قد تجرد للعلم، وفهم معناه، وذاق ثمرته، واستشعر من عزه، ونال من سروه، وقديما قيل: إن علم النّسب والأخبار من علوم الملوك وذوي الأخطار، ولا تسمو إليه إلا النفوس الشريفة، ولا تأباه إلا [النفوس الدنية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015