وكان مرة يعارض إعراب أبي البقاء العكبري للامية الشنفرى هو وصديقه محمد بن فضلون العقري، فوصلا إلى قول الشاعر:
وأستف ترب الأرض كي لا يرى له ... عليّ من الطول امرؤ متطول
فأنشد العقري لنفسه في معنى البيت:
إذا سغبت سففت الترب في سغبي ... ولم أقل للئيم سدّ لي رمقي
فقال له ياقوت: قول الشنفرى أبلغ لأنه نزه نفسه عن ذي الطول وأنت نزهتها عن اللئيم «1» ... وهو في هذا الحكم يحاكي الطريقة المألوفة لدى كثير ممن سبقه من النقاد ... ولا يفرض ياقوت رأيه في الشعر كثيرا على القارىء فهو يروي أشعارا متفاوتة دون تعليق، وحسنا يفعل لأنه يبدو محايدا، ولكن سكوته لا يعني أنه لا يستطيع الحكم أو المفاضلة.
- 1-
قال يحن إلى الشاذياخ وكان قد اشترى فيها جارية تركية ثم باعها وتبعتها نفسه:
ألا هل ليالي الشاذياخ تؤوب ... فإني إليها ما حييت طروب
بلاد بها تصبي الصبا ويشوقنا ال ... شمال ويقتاد القلوب جنوب
لذاك فؤادي لا يزال مروّعا ... ودمعي لفقدان الحبيب سكوب
ويوم فراق لم يرده ملالة ... محبّ ولم يجمع عليه حبيب
ولم يحد حاد بالرحيل ولم يرع ... عن الألف حزن أو يحول كئيب
أئنّ ومن أهواه يسمع أنتي ... ويدعو غرامي وجده فيجيب
وأبكي فيبكي مسعدا لي فيلتقي ... شهيق وأنفاس له ونحيب