كتابه إلى الناس قبل تبييضه وتنقيحه وتهذيبه. هكذا يبدو في بعض مراحل حديثه في كتابه، إلا أنك تجده في موضع آخر يقول: إن بعضهم التمس الكتاب لينسخه «فوجدت في نفسي شحا عليهم ... مع كوني غير راض لنفسي بذلك المنع، ولا حامد لها على ذلك الصنع، لكنها طبيعة عليها جبلت، وسجية إليها جبرت» «1» .
ولعلّ ابن الشعار متأثر بما قاله ياقوت- في مناسبة معينة- عن نفسه. ومع ذلك فإن هذا الموصوف بالبخل لما اجتمع بابن المستوفي في إربل أطلعه- فيما نقدر- على مقدمة معجم الأدباء «2» ، وأثبت الرجل أجزاء منها في تاريخ إربل. ويحاول ابن الشعار أن يؤكد ضنّ ياقوت بما يؤلف أو ينشىء، فيذكر أنه طلب منه شيئا من شعره، فجعل يماطله مدة من الزمان ثم سافر إلى الشام ولم يلتق الرجلان بعد ذلك، ومع هذا فإننا نجد ابن الشعار ينقل مقطعات كثيرة لياقوت، بعضها أنشدها ياقوت للمستوفي، وبعضها أنشدها لابن النجار «3» ، ثم هو يتمم نسخة من معجم البلدان ويضعها في خزانة القاضي الأكرم، ويشهد ابن العديم في مواضع من بغية الطلب «4» أنه رأى معجم البلدان وأفاد منه كما رأى معجم الأدباء، وإذا صحّ كل ذلك فمعناه أن ياقوتا لا يسوّي بضنّه بين جميع من يعرف، وإنما قد تستدعي الضنّ حالات نفسية ذاتية لدى ياقوت، أو حالات يجدها في من يطلب منه شعره أو مؤلفا من مؤلفاته. وقد كان يعرف أو يقدر أن الناس يقولون خلف ظهره: «إن هو إلا تصنيف رومي مملوك!!» وأنا وإن كنت أميل إلى ترجيح ضنه بكتبه لأن الرفض في هذه الحال يدلّ على قدر من الحرية في التصرف لدى امرىء مملوك، فإني أرجح أن الضنّ كان خاضعا لحالات نفسية معينة، وإلا فكيف يعمد هذا الرجل الضنين بمؤلفاته وما يملكه من كتب وأوراق فيوصي بها إلى وقف الزيدي ببغداد (وكان مسجد الزيدي بدرب دينار) ويعهد إلى الشيخ عز الدين ابن الأثير المؤرخ- وكان يومئذ بحلب- أن يسلمها إلى ناظر الوقف الشيخ