وحدث غرس النعمة أبو الحسن محمد بن الصابىء في «كتاب الهفوات» قال:
كان بدار العلم التي وقفها سابور بن أردشير الوزير خازن يعرف بأبي منصور، واتفق بعد ذلك بسنين كثيرة من وفاة سابور أن آلت مراعاة الدار إلى المرتضى أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي نقيب الطالبيين، فرتّب معه آخر يعرف بأبي عبد الله ابن حمد مشرفا عليه، وكان داهية، فصمد لأبي منصور «1» كيدا ومكرا، فصار يتلهى به دائما، فمن ذلك أنه قال له يوما، قد هلكت الكتب وذهب معظمها، فقال له وانزعج، بأي شيء؟ قال: بالبراغيث وعيثهم فيها وعبثهم بها، قال: فما نفعل في ذلك؟ قال: تقصد الأجلّ المرتضى وتطالعه بالحال وتسأله إخراج شيء من دوائهم المعدّ عنده لهم لننشره بين الورق ويؤمن الضرر. فمضى إلى المرتضى وخدمه وقال له بسكون ووقار ومن طريق النصح والاحتياط: يتقدم سيدنا إلى الخازن باخراج شيء من دواء البراغيث فقد أشرفت الكتب على الهلاك بهم لنتدارك أمرهم بتعجيل إخراج الدواء المانع لهم المبعد لضررهم، فقال المرتضى: البراغيث البراغيث، مكررا، لعن الله ابن حمد فأمره كله طنز وهزل، قم أيها الشيخ مصاحبا ولا تسمع لابن حمد نصيحة ولا قولا.
قال المؤلف: هكذا وجدت هذا الخبر، وقد وافق رواية ابن الجوزي في كون ابن حمد خازن الكتب بين السورين وفي مقاربة العصر وخالفه في الكنية، ولا أدري هل هو هذا أو غيره أو قد غلط أحدهما في الكنية، والله أعلم.
ثم وقفت على «المذيل» الذي للسمعاني بخطه على حاشية ملحقة أنّ محمد بن عطاف الموصلي سأل أبا منصور بن حمد الخازن عن مولده فقال سنة ثماني عشرة وأربعمائة، قال: وسأله غيري فقال سنة سبع عشرة وأربعمائة، وهذا يدل على أن هذه الحكاية ليست عنه لأن المرتضى مات سنة ست وثلاثين وأربعمائة فيكون حينئذ قد كان ابن حمد ابن اثنتي عشرة سنة فيستحيل أن تكون الحكاية عنه وعساها عن أبيه، والله عز وجل أعلم بالصواب.