الحكيم واتهمه بالقرمطة والكفر، فأذاقه الحمام، وهمّ أن يلحق به أبا الريحان فساعده فسحة الأمل بسبب خلّصه من القتل، وقيل له إنه إمام وقته في علم النجوم وإن الملوك لا يستغنون عن مثله، فأخذه معه، ودخل إلى بلاد الهند وأقام بينهم وتعلّم لغتهم واقتبس علومهم، ثم أقام بغزنة حتى مات بها أرى في حدود سنة ثلاث وأربعمائة عن سن عالية. وكان حسن المحاضرة طيّب العشرة خليعا في ألفاظه عفيفا في أفعاله، لم يأت الزمان بمثله علما وفهما، وكان يقول شعرا إن لم يكن في الطبقة العليا فانه من مثله حسن، منه في ذكر صحبة الملوك ويمدح أبا الفتح البستي، من «كتاب سر السرور» :
مضى أكثر الأيام في ظلّ نعمة ... على رتب فيها علوت كراسيا
فآل عراق قد غذوني بدرّهم ... ومنصور منهم قد تولّى غراسيا
وشمس المعالي كان يرتاد خدمتي ... على نفرة مني وقد كان قاسيا
وأولاد مأمون ومنهم عليّهم ... تبدّى بصنع صار للحال آسيا
وآخرهم مأمون رفّه حالتي ... ونوّه باسمي ثم رأس راسيا
ولم ينقبض محمود عني بنعمة ... فأغنى وأقنى مغضيا عن مكاسيا
عفا عن جهالاتي وأبدى تكرما ... وطرّى بجاه رونقي ولباسيا
عفاء على دنياي بعد فراقهم ... وواحزني أن لم أزر قبل آسي
اولما مضوا واعتضت منهم عصابة ... دعوا بالتناسي فاغتنمت التناسيا
وخلّفت في غزنين لحما كمضغة ... على وضم للطير للعلم ناسيا
فأبدلت أقواما وليسوا كمثلهم ... معاذ الهي أن يكونوا سواسيا
بجهد شأوت الجالبين أئمة ... فما اقتبسوا في العلم مثل اقتباسيا
فما بركوا للبحث عند معالم ... ولا احتبسوا في عقدة كاحتباسيا
فسائل بمقداري هنودا بمشرق ... وبالغرب من قد قاس قدر عماسيا
فلم يثنهم عن شكر جهدي نفاسة ... بل اعترفوا طرا وعافوا انتكاسيا
أبو الفتح في دنياي مالك ربقتي ... فهات بذكراه الحميدة كاسيا