الجذرات «1» الفاسدة؟ فقلت له إشفاقا عليه: أفي هذه الحالة؟ قال لي: يا هذا أودّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيرا من أن أخلّيها وأنا جاهل بها؟ فأعدت ذلك عليه وحفظ وعلمني ما وعد، وخرجت من عنده وأنا في الطريق، فسمعت الصراخ.
وأما «2» نباهة قدره وجلالة خطره عند الملوك فقد بلغني من حظوته لديهم أن شمس المعالي قابوس بن وشمكير أراد أن يستخلصه لصحبته ويرتبطه في داره على أن تكون له الإمرة المطاعة في جميع ما يحويه ملكه، ويشتمل عليه ملكه، فأبي عليه ولم يطاوعه، ولما أسمحت قرونته بمثل ذلك لخوارزمشاه [آواه] في داره وأنزله معه في قصره، ودخل خوارزمشاه يوما وهو يشرب على ظهر الدابة فأمر باستدعائه من الحجرة فأبطأ قليلا فتصور الأمر على غير صورته، وثنى العنان نحوه ورام النزول فسبقه أبو الريحان إلى البروز وناشده الله ألا يفعل، فتمثل خوارزمشاه:
العلم من أشرف الولايات ... يأتيه كلّ الورى ولا ياتي
ثم قال: لولا الرسوم الدنياوية لما استدعيتك فالعلم يعلو ولا يعلى. وكأنه سمع هذا في أخبار المعتضد فانه كان يوما يطوف في البستان وهو آخذ بيد ثابت بن قرّة الحراني، إذ جذبها دفعة وخلّاها، فقال ثابت: ما بدا يا أمير المؤمنين؟ قال: كانت يدي فوق يدك والعلم يعلو ولا يعلى.
ولما استبقاه «3» السلطان الماضي لخاصّة أمره وحوجاء صدره كان يفاوضه فيما يسنح لخاطره من أمر السماء والنجوم، فيحكى أنه ورد عليه رسول من أقصى بلاد الترك، وحدّث بين يديه بما شاهد فيما وراء البحر نحو القطب الجنوبي من دور الشمس عليه ظاهرة في كلّ دورها فوق الأرض بحيث يبطل الليل، فتسارع على عادته في التشدد في الدين إلى نسبة الرجل إلى الالحاد والقرمطة، على براءة أولئك القوم عن هذه الآفات، حتى قال أبو نصر ابن مشكان: إن هذا لا يذكر ذلك عن رأي