وطويته. وإذا أنعمت النظر تيقنت أن لله جلّ وعزّ في خلقه أحكاما لا يعاز عليها، ولا يغالب فيها، لأنه لا يبلغ كنهها، ولا ينال غيبها، ولا يعرف قابها ولا يقرع بابها، وهو تعالى أملك لنواصينا، وأطلع على أدانينا واقاصينا، له الخلق والأمر، وبيده الكسر والجبر، وعلينا الصمت والصبر، إلى أن يوارينا اللحد والقبر، والسلام» .
«إن سرّك- جعلني الله فداك- أن تواصلني بخبرك، وتعرفني مقرّ خطابي هذا من نفسك فافعل، فإني لا أدع جوابك إلى أن يقضي الله تعالى تلاقيا يسرّ النفس، ويذكّر حديثنا بالأمس، أو بفراق نصير به إلى الرمس، ونفقد معه رؤية هذه الشمس، والسلام عليك خاصا بحقّ الصفاء الذي بيني وبينك، وعلى جميع إخوانك عامّا بحقّ الوفاء الذي يجب عليّ وعليك والسلام» .
وكتب هذا الكتاب في شهر رمضان سنة أربعمائة.
قال أبو حيان في «كتاب أخلاق الوزيرين» «1» من تصنيفه: طلع ابن عباد عليّ يوما في داره وأنا قاعد في كسر إيوان أكتب شيئا قد كان كأدني به، فلما أبصرته قمت قائما، فصاح بحلق مشقوق، اقعد فالوراقون أخسّ من أن يقوموا لنا، فهممت بكلام، فقال لي الزعفراني الشاعر «2» : اسكت فالرجل رقيع، فغلب عليّ الضحك واستحال الغيظ تعجبا من خفته وسخفه، لأنه كان قد قال هذا وقد لوى شدقه وشنّج أنفه وأمال عنقه، واعترض في انتصابه، وانتصب في اعتراضه، وخرج في تفكك «3» مجنون قد أفلت من دير حنّون، والوصف لا يأتى على كنه هذه الحال لأن حقائقها لا تدرك إلا باللحظ ولا يؤتى عليها باللفظ، فهذا كلّه من شمائل الرؤساء وكلام الكبراء، وسيرة أهل العقل والرزانة؟!، لا والله وتربا لمن يقول غير هذا.
وحدّث أبو حيان قال «4» قال الصاحب يوما: فعل وأفعال قليل، وزعم النحويون أنه ما جاء إلا زند وأزناد، وفرخ وأفراخ، وفرد وأفراد، فقلت له: أنا أحفظ ثلاثين حرفا كلها فعل وأفعال، فقال: هات يا مدعي، فسردت الحروف ودللت على