أودّ من قمر في الأفق غيبته ... وأرقب الشمس من شوقي إلى القمر
هذا وقد بتّ من وعد على ثقة ... فكيف لو بتّ من هجر على خطر
أبو محمد المقدسي الأصل المصري المولد والمنشأ، عرف بابن بري النحوي اللغوي الأديب: كان نحويا لغويا شائع الذكر، مشهورا بالعلم. قال القاضي الأكرم في «أخبار النحاة» شاع ذكره واشتهر ولم يكن للمصريين ممن تقدم أو تأخر مثله. مات بمصر سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
قرأ كتاب سيبويه على أبي بكر محمد بن عبد الملك الشنتريني المغربي النحوي، وتصدّر للإقراء بجامع عمرو بن العاص. وكانت عنايته تامة في تصحيح الكتب وكتب الحواشي عليها بأحمر، فإذا رأيت كتابا قد ملكه فهو الغاية في الصحة والإتقان. وله على كتاب «الصحاح» لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري حواش [له] أخذ عليه في بعضها وشرح في بعضها وزيادات فيما أخل به، ولو تمّت كان عجيبا «1» .
وكان مع علمه وغزارة فهمه ذا غفلة وسلامة صدر، وكان وسخ الثوب، زريّ الهيئة واللبسة. يحكي المصريون عنه حكايات عجيبة، منها أنه اشترى لحما وخبزا وبيضا وحطبا، وحمل الجميع في كمه، وجاء إلى منزله، فوجد أهله قد ذهبوا لبعض شأنهم والباب مغلقا، فتقدم إلى كوة هناك تقضي إلى داره، فجعل يلقي منها الشيء بعد الشيء، ولم يفكر في كسر البيض وأكل السنانير اللحم والخبز إذا خلت به.