وكان الكعبي يذهب مذاهب المعتزلة لا يخفي ذلك، وكان صلحاء أهل بلخ ينالون منه لذلك، ويقدحون في دينه ومعتقده، ويرمونه بالزندقة.

لما صنف أبو زيد «كتاب السياسة» ليانس الخادم، وهو إذ ذاك والي بلخ، قال أبو القاسم الكعبي: قد جمع الله تعالى السياسة كلها في آية من القرآن، حيث يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

(الأنفال: 45- 46) .

وذكر المرزباني قال «1» : كانت بيننا وبين أبي القاسم البلخي صداقة قديمة وكيدة، وكان إذا ورد مدينة السلام قصد أبي وكثر عنده، وإذا رجع إلى بلده لم تنقطع كتبه عنا.

وحضر البلخي «2» مجلس أبي أحمد يحيى بن علي الذي يحضره المتكلمون، وهم مجتمعون، فأعظموه ورفعوه، ولم يبق أحد إلا وامر إليه، ودخل يهودي، وقد تكلم بعضهم في نسخ الشرع فبلغوا إلى موضع حكموا فيه أبا القاسم، وكان الكلام على اليهودي، فقال أبو القاسم: الكلام عليك، فقال له اليهودي: وما يدريك ما هذا؟

فقال له أبو القاسم: انتظر يا هذا، أتعرف ببغداد مجلسا للكلام أجلّ من هذا؟ قال:

لا، قال: أفتعلم من المتكلمين أحدا لم يحضره؟ قال: لا، قال: فرأيت أحدا منهم لم يقم إليّ ويعظمني، فتراهم فعلوا ذلك وأنا فارغ؟!.

ومما أنشد أبو القاسم لمحمد بن عبد الله بن طاهر:

يا طالب النار في زناد ... وقادح النار بالزناد

دع عنك شكا وخذ يقينا ... واقتبس النار من فؤادي

وكان إذا أنشد شيئا من شعر أبي العباس عبد الله بن طاهر يقول: هذا شعر شريف بنفسه وبقائله.

وأنشد لمحمد بن يسير، وكان يستحسنه، في البرامكة:

وما الدهر إلا دولة بعد دولة ... تخوّل ذا نعمى وتعقب ذا بلوى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015