مودة وأبطأهم عداوة مثل الكوز من الفضة بطيء الانكسار سريع الانجبار، وإن لئام الناس أبطأهم مودة، وأسرعهم عداوة مثل الكوز من الفخار يسرع الانكسار ويبطىء الانجبار.
وحدث داود بن أبي هند عن الشعبي قال: صاد رجل قنبرة، فلما صارت في يده قالت: ما تريد أن تصنع بي؟ قال: أريد أن أذبحك لآكلك. قالت: فإني لا أشفي من قرم، ولا أشبع من جوع، وإن تركتني علّمتك ثلاث كلمات هي خير لك من أكلي. أما الأولى فأعلمك وأنا في يدك، وأما الثانية فأعلمك وأنا على الشجرة، وأما الثالثة فأعلمك وأنا على الجبل. فقال: هات. قالت: لا تتلهفنّ على ما فاتك، ثم تركها، فصارت على الشجرة، ثم قالت: لا تصدق بما لا يكون حتى يكون، ثم قالت: يا شقي لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درّتين هما خير كنز لك. فعض على شفته وتلهّف. ثم قال علميني الثالثة فقالت: [لقد علمتك] الاثنتين فكيف أعلمك الثالثة؟ ألم أقل لك: لا تتلهف على ما فاتك، ولا تصدق ما لا يكون أنه يكون. أما ريشي ولحمي وزن درهمين فكيف يكون في حوصلتي درتان؟ ثم طارت فذهبت.
قال الشعبي: كنت مع قتيبة بن مسلم بخراسان على مائدته فقال لي: يا شعبي، من أي شراب تريد أن أسقيك؟ قلت: أهونه موجودا وأعزه مفقودا، فقال: يا غلام:
اسقه الماء.
قال الشعبي لبعض أصحابه يوما: تعال حتى نفر من أصحاب الحديث قال:
فمضينا حتى أتينا الجبانة. قال: فلزم كوما من التراب ثم اتكأ عليها، فمر بنا شيخ من أهل الحيرة عبادي، فقال له الشعبي: يا عبادي ما صناعتك؟ قال له: رفّاء. قال:
عندنا دنّ مكسور ترفوه لنا؟ قال: إن هيأت لي سلوكا من رمل رفيت لك ذلك.
فضحك الشعبي حتى استلقى، ثم قال: هذا أحب إلينا من مجالسة أصحاب الحديث البغضاء.
وكان الشعبي ينشد «1» :