أيام المهدي سنة خمس وستين ومائة، ومن مختار شعره قوله:
ألم تر المرء نصبا للحوادث ما ... تنفكّ فيه سهام الدهر تنتضل
إن يعجل الموت يحمله على وضح ... لحب موارده مسلوكة ذلل
وان تحادث به الأيام في عمر ... يخلق كما رثّ بعد الجدّة الحلل
ويستمرّ إلى أن يستقلّ به ... ريب المنون ولو طالت به الطيل
والدهر ليس بناج من دوائره ... حيّ جبان ولا مستأسد بطل
ولا دفين غيابات له نفق ... تحت التراب ولا حوت ولا وعل
بل كلّ شيء سيبلي الدهر جدّته ... حتى يبيد ويبقى الله والعمل
وقال:
وترى المشيب بدا وأقبل زائرا ... بعد الشباب فنازل ومودّع
والشيب للحكماء من سفه الصّبا ... بدل تنال به الفضيلة مقنع
والشيب زين بني المروءة والحجى ... فيه لهم شرف ومجد يرفع
والبرّ تصحبه المروءة والتّقى ... تبدو بأشيب جسمه متضعضع
أشهى إليّ من الشباب مع المنى ... والغيّ يتبعه القويّ المهرع
إن الشباب عمى لأكثر أهله ... وتعرّض لمهالك تتوقّع
إن تغتبط في اليوم تصبح في غد ... ممّا جني لك واجما تتوجّع
وقال:
حلّ المشيب ففرق الرأس مشتعل ... وبان بالكره منّا اللهو والغزل
فحلّ هذا مقيما لا يريد لنا ... تركا وهذا الذي نهواه مرتحل
هذا له عندنا نور ورائحة ... كنشر روض سقاه عارض هطل
وجدّة وقبول لا يزال له ... من كلّ خلق هوى أو خلّة نفل
والشيب يطوي الفتى حتى معارفه ... نكر ومن كان يهواه به ملل
يبلى بلى البرد فيه بعد قوّته ... وهن وبعد تناهي خطوه رمل