قال الحميدي: من عجائب الدنيا التي لا يكاد يتفق مثلها أن صاعد بن الحسن هذا أهدى إلى المنصور أبي عامر أيّلا وكتب معه أبياتا وهي:
يا حرز كلّ مخوّف وأمان كلّ مش ... رد ومعزّ كلّ مذلّل
جدواك إن تخصص به فلأهله ... وتعمّ بالإحسان كلّ مؤمّل
كالغيث طبّق فاستوى في وبله ... شعث البلاد مع المراد المبقل
الله عونك ما أبرّك بالهدى ... وأشدّ وقعك في الضلال المشغل
ما إن رأت عيني وعلمك شاهدي ... شروى علائك في معمّ مخول
أندى بمقربة كسرحان الغضا ... ركضا وأوغل في مثار القسطل
مولاي يؤنس غربتي بتخطفي ... من ظفر أيامي بممنع معقل
عبد نشلت بضبعه وغرسته ... في نعمة أهدى إليك بأيّل
سميته غرسيّة وبعثته ... في حبله ليتاح فيه تفؤّلي
فلئن قبلت فتلك أسنى نعمة ... أسدى بها ذو منحة وتطوّل
صبحتك غادية السرور وجلّلت ... أرجاء ربعك بالسحاب المخضل
فقضي في سابق علم الله، عز وجل، وتقديره أن غرسية بن شانجه من ملوك الروم، وهو أمنع من النجم، أسر في ذلك اليوم بعينه الذي بعث فيه صاعد بالأيل، وسماه غرسيه متفائلا بأسره، وهكذا فليكن الجدّ للصاحب والمصحوب.
قال ابن حيّان: وجمع أبو العلاء للمنصور أبي عامر كتابا سمّاه «الفصوص في الآداب والأشعار» على حكم «كتاب النوادر» لأبي علي القالي فأثابه عليه خمسة آلاف دينار في دفعة واحدة، وأمر أن يسمعه الناس في المسجد الجامع بالزاهرة، واحتشد له جماعة من أهل الأدب ووجوه الناس بسماعه في سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.
واتفق لهذا الكتاب حادثة غريبة وهي أنّ أبا العلاء لما أتمه دفعه لغلام له يحمله بين يديه وعبر نهر قرطبة، فزلت قدم الغلام فسقط في النهر هو والكتاب، فقال في ذلك ابن العريف، وكان بينه وبين أبي العلاء شحناء ومناظرات:
قد غاص في البحر كتاب الفصوص ... وهكذا كلّ ثقيل يغوص