- 371-
المعروف بابن الحجاج الكاتب الشاعر أبو عبد الله: شاعر مفلق، قالوا إنه في درجة امرىء القيس، لم يكن بينهما مثلهما، وإن كان جلّ شعره [مبنيّا على] مجون وسخف. وقد أجمع أهل الأدب على أنه مخترع طريقته في الخلاعة والمجون ولم يسبقه إليها أحد ولم يلحق شأوّه فيها لاحق، قدير على ما يريده من المعاني [التي هي] الغاية في المجون مع عذوبة الألفاظ وسلاستها. وله مع ذلك في الجدّ أشياء حسنة لكنها قليلة، ويدخل شعره في عشر مجلدات أكثره هزل مشوب بألفاظ المكدين والخلديين والشطّار ولكنه يسمعه أهل الأدب على علاته، ويتفكهون بثمراته، ويستمحلون بنات صدره المتهتكات، ولا يستثقلون حركاتهن لخفتها وان بلغت في الخفة غاية الغايات. وإني لأقول كما قال أبو منصور [1] : لولا قول إبراهيم بن المهدي إن جدّ الأدب جدّ وهزله هزل، لصنت كتابي هذا عن مثل هذا المجون، وحديث كله ذو شجون. ولقد مدح الملوك والأمراء، والوزراء والرؤساء، فلم يخل شعره فيهم مع هيبة المقام من هزل وخلاعة. فلم يعدّوه مع ذلك من الشناعة. وكان عندهم مقبولا مسموعا غالي المهر والسعر، وكان يتحكم على الأكابر والرؤساء بخلاعته. ولا يحجب عن الأمراء والوزراء مع سخافته: يستقبلونه بالبشاشة والاكرام، ويقابلون إساءته بالاحسان والانعام. وناهيك برجل يصف نفسه بمثل قوله [2] :