والمعنى: أن هذه الرقة لو كانت لضعف قلبك للحقتك أيضاً في الحرب، ولكنه وفاء ورعاية، فأنت تستعمل كل واحد منهما في موضعه، حيث تحمده وتستحسنه العقول، ولا تضعه في غير موضعه.
أين خلّفتها غداة لقيت الرّ ... وم والهام بالصّوارم تفلى
تفلى: من فليت رأسه، إذا فتشته لتخرج منه القمل.
معناه: يضرب بالسيوف من كل جهة، كما أن الفالي يعم الرأس.
يقول: أين تركت هذه الرقة غداة محاربتك الروم فيما كنت تضرب رءوسهم بالسيوف الصوارم.
قاسمتك المنون شخصين جوراً ... جعل القسم نفسه فيه عدلاً
أنت المنون على معنى المنية. والهاء في فيه ترجع إلى الجور.
يقول: قاسمتك المنون على أختيك ظلماً وجوراً منها في هذه المقاسمة؛ لأنها ليس لها الحق في واحدة منهما، غير أن هذه القسمة جعلت نفسها في الجور الذي حصل من المنون عدلاً؛ لأنها أخذت الصغيرة وتركت الكبيرة.
وقال ابن جني: يجوز فيك: فيكون المعنى: أن المنون جارت في فعلها، إلا أنك إذا كنت البقية فجورها عدل.
أو يقال: إن هذه القسمة نفسها في حقك عدل، وإن كان قاسمها ظالما.
فإذا قست ما أخذن بما أغ ... درن سرّى عن الفؤادي وسلّى
أغدرن: أي تركن. وسرى: أي كشف. وسلى: من التسلية. وروى أغبرن مكان أغدرن والفاعل ضمير المنون، وأراد بها المنايا.
يقول: إذا قست ما أخذته المنية بما تركته، كشف بقاء الباقية منهما هذا الحزن عن قلبك.
وتيقّنت أنّ حظّك أوفى ... وتبيّنت أنّ جدّك أعلى
يقول: إذا قست سهمك بسهم المنية علمت أن حظك أكثر، وأن جدك أعلى؛ لأن الكبرى خير من الصغرى.
ولعمري لقد شغلت المنايا ... بالأعادي، فكيف تطلبن شغلا؟
يقول: شغلت المنايا بقبض أرواح الأعادي، فكيف تطلب المنايا شغلاً؟! لأن لها شغلاً بالأعداء، لا تتفرغ عنه إلى شغل آخر.
وكم انتشت بالسّيوف من الدّه ... ر أسيراً وبالنّوال مقلاّ
انتشت: أي دفعت، والانتياش: افتعال من النوش والمقل: الفقير.
يقول: كم أنقذت كثيراً من الأسرى من أسر الدهر بسيوفك، ومن الفقر بجودك، ونائلك، فأغنيتهم بعطاياك، ورفعتهم من الذل والصغار.
عدّها نصرةً عليه فلمّا ... صال ختلاً رآه أدرك تبلاً
الهاء في عدها ضمير الحالة: أي عد الدهر هذه الحالة التي هي إنقاذ الأسير من يده، ورآه: أي رأى نفسه ويجوز ذلك في الرؤية: بمعنى العلم: وسائر أفعال الشك، واليقين.
يقول: لما رآك الدهر تنقذ أساراه حقد عليك، وعد فعلك نصرةً لعيه لمن خاصمه فلما صال مخادعة، وأخذ أختك مسارقةً، حسب أنه أدرك ثأره.
كذبته ظنونه؛ أنت تبلي ... هـ وتبقى في نعمةٍ ليس تبلى
يقول: كذب الدهر ظنه أنه يقدر على أخذ ثأره عندك، فإنك تجعل الدهر بالياً! وتبقى أنت في نعمة لا تبلي.
وقيل: إن قوله أنت تبليه دعاء له بطول البقاء فكأنه يقول: أبقاك الله في نعمة دائمة حتى تبلي الدهر وتفنيه.
ولقد رامك العداة كما را ... م فلم يجرحوا لشخصك ظلاّ
يقول: طلب أعداؤك أن يدركوا ثأرهم عندك - كما طلب الدهر - فلم يقدروا أن يجرحوا ظل شخصك؛ لاتصاله بك.
ولقد رمت بالسّعادة بعضاً ... من نفوس العدا فأدركت كلاّ
قوله: بالسعادة متعلق بقوله: فأدركت كلا يعني: أنك رمت بعض أعدائك فأدركت الكل بسعادة جدك، وهو متصل بما قبله.
قارعت رمحك الرّماح ولكن ... ترك الرّامحين رمحك عزلا
الرامح: صاحب الرمح. والعزل: جمع أعزل، وهو الذي لا سلاح معه.
يقول: قد حاربك الأعداء فعجزوا، فصار الرمح منه أعزل.
لو يكون الّذي وردت من الفج ... عة طعناً أوردته الخيل قبلا
القبل: جمع أقبل: وهو مثل الأحول، والخيل تفعل ذلك لعزة أنفسها، وليس بخلقه.
يقول: لو لقيت مكان هذه المصيبة طعناً وكان مجيئها إليك محاربة؛ لأوردت خيلك، ودفعت عن نفسك بشجاعتك. والهاء في أوردته للطعن.
وقيل: معناه لو كنت تلقى بدل هذه المصيبة طعناً لأوردته الخيل ورددته بشجاعتك.
ولكشّفت ذا الحنين بضربٍ ... طالما كشّفت الكروب وجلّى
الحنين: رقة الحزن، وهو أيضاً الصوت الضعيف كالأنين، وقد يراد به الاشتياق. وجلى: أي كشف، وجمع بينهما لاختلاف اللفظين.