يقول: يخرج بخيله إلى المفاوز جاهراً بها في طلب الأعداء، فهي تتجاوب بالصهيل، ولا يمنعها الصهيل بالضرب، إذ ليس من عادتها المسارة، فهو يتركها مع عادتها.
وقال ابن جني: معناه كأن بعض خيله يسر إلى بعض شكية لما يجشمها من الحروب وقطع المفاوز، فيجاوبها الآخر سراً.
قال: ويجوز أن يريد أن خيله مؤدبة معلمة فتصهل سراً هيبة وإجلالا.
بنو كعبٍ وما أثّرت فيهم ... يدٌ لم يدمها إلاّ السّوار
يقول: إن بني كعب يفتخرون بأنك أوقعت بهم، ويتجملون بقصدك إليهم، وإن أصابتهم الالآم والعقوبات، كيد يدميها السوار، فإن صاحبها لا يشكو الألم الذي ناله من السوار، لما كان السوار جمال يده وزينته.
بها من قطعه ألمٌ ونقصٌ ... وفيها من جلالته افتخار
الهاء في بها لليد، وكذلك في فيها وفي قطعه وجلالته للسوار. ومعناه هم مثل يد أدماها السوار، فهي تتألم من قطعه وتفتخر بجماله.
لهم حقٌّ بشركك في نزارٍ ... وأدنى الشّرك في أصلٍ جوار
يقول: لهم عليك حق لانتسابك معهم إلى نزار، وأقل القرابة تقوم مقام الجوار، فكما يجب صيانة حق الجار، فكذلك حق القريب.
لعلّ بنيهم لبنيك جندٌ ... فأوّل قرّح الخيل المهار
يقول: اعف عنهم، فلعل أبناءهم يكونون جنداً لبنيك، كما أنهم جندك، فكل كبير يكون صغيراً ويصير رجلا، وأول ما يكون الخيل: مهاراً ثم تكون قرحاً.
وأنت أبرّ من لو عقّ أفنى ... وأعفى من عقوبته البوار
يقول: أنت أبر كل من ملك، إذا عقهم من تجب عليهم طاعتهم، لم يرضوا في عقوبتهم بغير الإهلاك، وأكثرهم عفواً وصفحاً، إذا كان غيرك يهلك بشدة عقوبته.
يعني: أنك بررتهم وعفوت عنهم ولو أردت لأهلكتهم.
وأقدر من يهيّجه انتصارٌ ... وأحلم من يحلّمه اقتدار
يقول: أنت أقدر الملوك الذين يهيجون للانتصار من أعدائهم، أي متى هجت لتنتصر من أعدائك، كنت أقدر من كل ملك هذه صفته، وأنت أحلم من كل حليم يحلم عند قدرته.
وما في سطوة الأرباب عيبٌ ... ولا في ذلّةٍ العبدان عار
العبدان: جمع عبد.
يقول: إنك لربّهم وهم عبيدك، فلا عيب عليهم في سطوتك ولا عليهم في خضوعهم لك.
وقال أيضاً وقد ودعه إلى الإقطاع الذي أقطعه:
أيا رامياً يصمي فؤاد مرامه ... تربّى عداه ريشها لسهامه
يصمي: أي يقتل. يقال: رماه فأصماه، إذا قتله مكانه. والهاء في ريشها للعدى. وفاعل تربى: عداه والهاء في سهامه ومرامه وعداه: للرامي.
يقول لسيف الدولة: أيا راميا يصيب فؤاد مطلبه، بسهام ريشها من أعدائه فكأن أعداءه طير تربى أجنحتها حتى إذا بلغت أخذها لريش سهامه وأراد بالسهام: جيشه. وبريش السهام: سلاح أعدائه، الذي سلبه من الأعداء وكساه جيشه، يعني أنك تغير على الأعداء فتأخذ أسلحتهم وتقتلهم
أسير إلى إقطاعه، في ثيابه ... على طرفه، من داره بحسامه
يعني: أن جميع ما أملكه من عطاياه، فداري التي أسكنها وثيابي، وفرسي، من هباته، ومثله قول جحظه:
فكيف لا أشكر من لا أرى ... في منزلي إلاّ الّذي جاد به؟!
والأصل فيه قول النابغة:
وإنّ سلاحي إن نظرت وشكّتي ... ومهري وما ضمّت عليه الأنامل
حباؤك والعيس العتاق كأنّها ... هجان المها تردى عليها الرّحائل
وقال أيضاً جميع ذلك في نصف بيت:
وما أغفلت شكرك فانتصحني ... فكيف ومن عطائك كلّ مالي؟
وما مطرتنيه من البيض والقنا ... وروم العبدّي هاطلات غمامه
العبدي والعبود: اسم الجمع بمعنى العبيد.
يقول: عبيدي وسلاحي من مطره الذي مطرته لي سحائبه الهاطلة، وعطاياه الشاملة.
ودل بذلك على أن جوده يعم العالم، ويشمل الأزمان، ويتناول الأقوام.
فتىً يهب الإقليم بالمال والقرى ... وما فيه من فرسانه وكرامه
يقول: هو يملك العباد والبلاد، ويهب الإقليم بما فيه من الأموال، ومن عليه من الفرسان والرجال.
ويجعل ما خوّلته من نواله ... جزاءً لما خوّلته من كلامه
خولته: أي ملكته.
يقول: إن أياديه علمتني الشكر، ولقنتني الثناء والذكر، فكلامي منه من هذا الوجه، فلما أثنيت عليه جازاني على ثنائي فخولت الإحسان جزاء على ما خولت من الكلام.