وقيل: لها مخالب. وإنما أراد الفرخ الحدث الذي لا يمكنه الانتفاع بمخالبه، والمسن الذي عجز عن طلب القوت، ودل عليه في قوله: أحداثها والقشاعم.
الثاني: أن معناه ما ضر لو كانت خلقت بغير مخالب مع قيام سيوفه مقامها. وقوله: ما ضرها خلق: فالخلق هو المصدر الحقيقي.
هل الحدث الحمراء تعرف لونها ... وتعلم أيّ السّاقيين الغمائم
الحدث: قلعة، وقيل مدينة. وجعلها حمراء؛ لأن سيف الدولة أراق فيها دماء الروم، حتى سالت عليها كالمطر، ودام ذلك حتى نسي لونها الأول.
يقول: فهل تعرف الحدث لونها الأول أم نسيته من طول ما جرى الدماء عليها؟ وهل تفرق بين سيف الدولة الذي سقاها الدم، وبين الغمام الذي سقاها الماء؟ فتعلم أي ساقييها الغمائم.
وقيل: معناه هل تعرف لونها؟ إنها قد حسنت به حالها حين عمرها، وكنت قد خربت قبل ذلك. وقيل: أراد أنه بناها غير البناء الأول، إذا كان بناؤه لها إعادة لا ابتداء فكأنه بناها من الحجر الأحمر، وكانت قبل ذلك بخلافه.
سقتها الغمام الغرّ قبل نزوله ... فلمّا دنا منها سقتها الجماجم
الغمام: جمع غمامة، ولهذا وصفها بأنها غر وخص الغر، لأنها أغزر وأكثر ماءً.
يقول: كانت السحاب تسقيها الغيث، فلما جاءها سيف الدولة، وقتل فيها الروم فسالت دماؤهم كالمطر السائل من السحاب.
بناها فأعلى والقنا يقرع القنا ... وموج المنايا حولها متلاطم
أي: فأعلاها، فحذف المفعول، والواو للحال في قوله: والقنا، وموج المنايا.
يقول: بنى الحدث حتى أتمها وأعلاها، في حالة المطاعنة، وتداخل الرماح بعضها في بعض، والتطام أمواج الموت فيها؛ لكثرة القتل.
وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم
يقول: إنها تروع كل وقت، كما يروع المجنون، وتهدم وقتاً بعد وقت، فكانت لا تستقر، فتشبه بالمجنون، فلما قتل أعداءها ومن كان يطلبها، سكنت كالمجنون إذا علقت عليه التمائم، فصارت جثت القتلى لها كالتمائم.
طريدة دهر ساقها فرددتها ... على الدّين بالخطّىّ والدّهر راغم
الطريد: ما أخذه العدو من المال وفاز به.
يقول: كانت هذه القلعة طريدة الدهر قد ساقها وذهب بها الدهر وجعلها للروم، فرددتها على المسلمين الذين كانت لهم من قبل، وأرغمت أنف الدهر وقهرته.
تفيت اللّيالي كلّ شيءٍ أخذته ... وهنّ لما يأخذن منك غوارم
التاء في تفيت للخطاب. والليالي: في موضع نصب بتفيت، ومعناه: كل شيء أخذته الليالي فإنك تفيتها. أي تأخذه منها، وهي إذا أخذت منك شيئاً غرمته لك، وغيرك لا يقدر على ذلك.
وقيل: التاء تاء التأنيث، والليالي: رفع لأنها فاعلة تفيت.
والمعنى: إن ما أخذته الليالي من كل أحد أفاتته ولا ترده عليه، وما تأخذه منك فإنك تغرمه لك.
إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعاً ... مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم
الفعل المضارع يصلح للحال وللاستقبال، والمراد ها هنا: الفعل المستقبل خاصة.
يقول: إذا نويت فعل شيءٍ تم ومضى، وتعجل وقوعه قبل أن يعوقك معوق، فعبر عن المعوق بالجوازم، وعن نفيه بنفي الجوازم، وإنما قال ذلك؛ لأن حروف الجزم كلها تعويق: إما بنفي كلم، أو بنهي نحو، لا تفعل، أو تعلق بالشرط، ولام الأمر للغائب فيه معنى التراخي، ووصول الأمر إليه.
وقيل: أراد بالجوازم ها هنا التي للذي، وجمعه إرادةً للكثرة والتكرير.
والمعنى: أنك إذا نويت أمراً سبقت به نهى الناس، وعذل العذال، وتفعله قبل أن تقول لك الناس: لا تفعل، فيكون مثل قولهم: سبق السيف العذل.
وقيل: أراد به لام الأمر نحو قولك: ليخرج زيد، ومعناه: أنك إذا نويت أمراً تم قبل أن تأمر به، فتقول ليكن كذا فيكون، مثل قوله:
يجيبك قبل أن يتمّ سينه
أو يكون المراد به أنك إذا أمرت بفعل يسبق مضاؤه لحوق هذه اللام به.
وقيل وجه رابع: وهو أن الفعل المضارع إنما يصير ماضياً بدخول لم عليه، والمعنى: أنك إذا نويت أمراً مستقبلاً انقضى ومضى بنفسه، من غير أن يعارضه ما ينفيه من الموانع.
وكيف ترجّى الرّوم والرّوس هدمها ... وذا الطّعن أساسٌ لها ودعائم!
يقول: إن الروس والروم كيف يطمعون في هدمها؟ وأساسها ودعائمها دفاعك وطعانك! فإذا كان كذلك فلا سبيل لهم إلى هدمها.