وخص الثاني بما لأن المعنى من بعد ما جاءك من العلم بأن قبلة الله هي
الكعبة، وذلك قليل من كثير من العلم.
وزيد معه " من " التي هي لابتداء الغاية، لأن تقديره من الوقت الذي جاءك العلم فيه بالكعبة، لأن القبلة الأولى نُسخت بهذه الآيات، وليس الأول موقتاً بوقت.
وقال في سورة الرعد: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ)
، فعبّر بما، ولم يزد من هنا لأن العلم ها هنا هو الحكم العرفي، أي
القرآن، فكان بعضاً من الأول ولم يزد من لأنه غير موقت.
وقريب من معنى القبلة ما في آل عمران: (مِنْ بَعْدِ ما جاءكَ من العلم) .
قوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ) ، وفي آل عمران: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) .
لأن الأولى خطاب للمسلمين، والثانية خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: (قُلْ آمنّا بالله) ، و"إلى" ينتهى به من كل جهة، و"على" لا ينتهى به إلا من جهة واحدة وهي العلو.
والفرقان يأتي المسلمين من كل جهة يأتي مبلغه إياهم.
وإنما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - من جهة العلو خاصة، فناسب قوله (علينا) ، ولهذا أكثر ما جاء في جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلَى، وأكثر ما جاء في جهة الأمة بإلى.
قوله تعالى في البقرة: (وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) .
وحذف ما في آل عمران
لأنه تقدم فيها ذكر ذلك: قوله تعالى: (لَمَا آتيْتُكم) .
قوله: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) .
إنما كرر هذه الآيات ثلاث مرات، لأن الأولى لنسخ القبلة، والثانية للسبب، وهو قوله: وإنه للْحَق مِنْ ربك.
والثالثة للعلة وهي قوله: (لئلا يكونَ للناس عليكم حُجّة) .
وقيل الأولى في مسجد المدينة، والثانية خارج المسجد، والثالثة خارج البلد.