أيام عبادة آبائهم العجل، فآية البقرة تحتمل قَصْدَ الفرقة الثانية حيث عبر بجمع الكثرة، وآل عمران الفرقة الأولى حيث أتى بجمع القلة.
وقال أبو عبد الله الرازي: إنه من باب التفنن.
قوله في البقرة: (إنَّ هُدَى اللهِ هو الهدَى) .
وفي آل عمران: (إنّ الهدَى هُدَى الله) ، لأن الهدى في البقرة
المراد به تحويل القبلة، وفي آل عمران المراد به الدّين، لتقدم قوله: " لِمَنْ تَبعَ دِينَكم"، ومعناهُ دين الإسلام.
قوله تعالى في البقرة: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) .
وفي إبراهيم عرّفه، لأن الأول دعا به قبل مصيره بلدا عند ترك هاجر
وإسماعيل به وهو واد، فدعا بأن يصير بلدا.
والثاني دعا به بعد عوده وسكنى جرْهم به ومصيره بلداً فدعا بأمنه.
وقيل: لأن النكرة إذا تكررت صارت معرفة.
وقيل تقديره في البقرة: هذا البلد بلداً آمناً، فخذف البلد اكتفاء
بالإشارة، فتكون الآيتان سواء، وهذا يقتضي أنه دعا بهذا الدعاء مرتين.
والظاهر أنه مرة حكى لفظه فيها على وجهين.
قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) البقرة:
120، فجعل الذي مكان قوله فما بعد: (ما) ، وزاد (من) البقرة:
145، والرعد 37، لأن العلم في الآية الأولى علم بالكمال الذي ليس وراءه علم، لأن معناه بعد الذي جاءك من العلم بالله وصفاته، فكان لفظ الذي أليق به من لفظ " ما "، لأنه في التعريف أبلغ وفي الوصف أقعد، لأن " الذي " تعرّفه صلته ولا يتنكر قط، ويتقدمه أسماء الإشارة، نحو قوله: (أمَّن هذا الذي هُوَ جُنْدٌ لكم) ، (أمَّن هذا الذي يرْزُقكم) .
فيكتنفه بيانان: الإشارة والصلة ويلزمه الألف واللام، ويثنى ويجمع، وليس لـ " ما " شيء من ذلك، لأنه يتنكر مرة ويتعرَّفُ اخرى، ولا يقع وصفاً لأسماء الإشارة، ولا يدخله الألف واللام، ولا يثنَّى ولا يجمع.