(زكرياء) : كان مِنْ ذرّيَّةِ سليمان بن داود عليهما السلام، وقتل بعد قَتْلِ
ولده يحيى، وذلك أنه هرب من اليهود، فقفوا أثره، فلما دَنوْا منه رأى شجرةَ فقال لها: اكتميني، فانشقت الشجرة، فدخل فيها، ثم التأمت عليه فجاءوا فلم يجدوه، فقال لهم إبليس: هو في هذه الشجرة فأتَوْا بِمِنْشَارٍ وشقّوها على نصفين، فلما بلغ النشار إلى أمِّ رَأْسِه صاح وتأوّه، فتزلزل الملكوت فنزل عليه جبريل، وقال: يا زكرياء، إنَّ الله تعالى يقول لك: لئن قلْتَ آه مرةً أخرى لأمْحونّك من ديوان الأنبياء، فعضَّ زكرياء على شفتيه حتى شقّوه بنصفين (?) .
فليتأمل العاقِل هذا التهديد والوعيد الهائل مع أنبيائه وأصفيائه، فكيف بنا
الذين عميت بصائرنا، وأظلمت سرائرنا، وليعلم أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل.
قال أبو يزيد البسطامي: كنت أمشي في البادية فرأيت أربعين شابًّا من
أصحاب الطريقة ماتوا عطاشاً جياعاً.
فقلت: إلهي، كم تقتل الأحباب، وكم تريق دم الأصحاب، فسمِعْت قائلاً يقول: يا أبا يزيد، اقتل النفس، وأعط ديتها.
فقلت: ما دية هؤلاء، فسمعت هاتفاً يقول: دية مقتول الخلق الدنيا، ودية مَقْتول الحقّ رؤية الجبَّار.
وروي أنَ يحيى بن معاذ الرازي ناجى ربه في ليلة.
فقال: إلهي، إن طلبتك أتعبتني، وإن هربت منك أحرقتني، وإن أحببتك قتلتني، فلا منك فرار، ولا عنك قرار.