وقال الأصبهاني: لضَرْب العرب الأمثال، واستحضار العلماء المثالَ والنظائر، شيء ليس بالخفيّ في إبراز خفيّات الدقائق، ورَفْع الأستار عن الحقائق، تريك به المتخيل في صورة المتحقّق، والمتوهّم في معرض المتيقّن، والغائب كأنه مشاهد، وفي ضَرْب الأمثال تبكيتٌ للخَصْمِ الشديد الخصومة، وقمع لسَوْرَةِ الجامح الأبيّ، فإنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثر وصف الشيء في نفسه، ولذلك أكَثْرَ الله تعالى في كتابه وفي سائر كتبه الأمثال، ومن سور الإنجيل سورةٌ تسمى سورة الأمثال.
وفشَتْ في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي كلام الأنبياء والحكماء.
أمثال القرآن، قسمان:
ظاهر مصرّح به، وكامِن لا ذِكْر للمثَل فيه، فمن أمثلة الأول: (مَثَلُهم
كَمَثَلِ الذي استَوقَد ناراً) .
ضرب الله فيها للمنافقين مثلين، مثلاً بالنار، ومثلاً بالمطر.
أخرج ابن أبي حاتم وغيره، من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.
قال: هذا مثل ضربه الله للمنافقين، كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم
المسلمون، ويوارثونهم، ويقاسمونهم الفيء، فلما ماتوا سلبهم الله العز، كما سُلب صاحب النار ضوءه.
(وتركهم في ظلمات) يقول: في عذاب.
أو كصَيِّبٍ - وهو المطر - ضرب مثله في القرآن.
فيه ظلماتٌ - يقول ابتلاء، ورَعْد وبرق، وتخويف.
يكاد البرق يخطف أبصارهم، يقول: يكاد محكم القرآن يدل على
عورات المنافقين.
كلما أضاء لهم مشوا فيه، يقول: كلما أصاب المنافقون في
الإسلام عِزَا اطمأنّوا، فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر.
كقوله: (ومِنَ الناس مَنْ يعبُدُ اللهَ على حَرْف) .
ومنها قوله تعالى: (أَنزل مِنَ السماءِ ماءً فسالَتْ أَوْدِية بِقَدَرِها) .