العَدْل، والظالم رفع قصته إلى الله فوقع له توقع الرحمة في قوله تعالى: (قل يا

عبادي الذين أسرفوا على أنْفسهم) ، وللمقتصد توقع التوبة في

قوله تعالى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) .

وللسابق توقع الرضوان، قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) .

فالمقاماتُ على ثلاثة أسْماء: الله الرحمن الرحيم، فانظر كيف اصطفاهم كما قال في إبراهيم: (ولقد اصْطَفينَاه في الدُّنيا وإنه في الآخرةِ لَمِن الصَّالِحين) .

فإن قلت: ما الفرق بين الاصطفاء والإفضال، ولِمَ لَمْ يقل فضّلنا؟

والجواب: أن الاصْطِفاء كلّي بجميع الأشياء، والإفضال بعض لبعض دون

بعض، والاصطفاء أخروي، (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) .

والإفضال دنيوي، (والله فَضل بَعْضَكم على بَعْض في الززْق) ، والإفضال عام، (وأني فَضَّلْتكم على العالَمين) ، أي على عالمي زمانهم، والاصطفاء خاصّ، والخاص مقدَّم على العام.

فإن قلت: ما الحكمة ُ في أنَّ الله أعطى القرآن بلفظ الميراث؟

والجواب: لأنه ليس شيء أطيب وألذّ وأجلَّ من الميراث، فذِكْرهُ بلفظ

الميراث أحلى وأطيب وأشهى.

وأيضاً الميراث لا يُنْزعَ من يَدِ الوارث بخلافِ العطايا والهبات، فذكره بلفظ الميراث ليعلم أنه لا يريد أن ينزعه عنك.

وأيضاً الميراث يعمّ الأولاد عصاة أو مطيعين، كذلك القرآن.

وإذا أكرم الله المؤمن على الجملة باثنتي عشرة كرامة فكيف بمن اصطفاه بهذا القرآن، قال تعالى: (الذين آمَنُوا ولم يُلْبِسُوا إيمانَهم بظُلم) .

(وإن الله لَهَادِي الذين آمنوا) ، (يثبِّتُ الله الذين آمنوا) .

(وبَشّر الذين آمَنوا) ، (وبشِّر المؤمنين) .

(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) .

(يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015