عليه أولئك الأشرار، وقالوا بأنَّه إنما كان يصلهم من بيت المال، وعثمان قد أجاب عن موقفه هذا بقوله: وقالوا: إني أحبُّ أهل بيتي، وأعطيهم .. فأمّا حبِّي لهم؛ فإنَّه لم يمل معهم إلى جور، بل أحمل الحقوق عليهم .. وأما إعطاؤهم، فإني إنّما أعطيهم من مالي، ولا استحلُّ أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس، وقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرَّعية من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وأنا يومئذ شحيح حريص، أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي (?)، وفني عمري، وودَّعت الذي لي في أهلي، قال الملحدون ما قالوا (?)؟ وكان عثمان قد قسم ماله، وأرضه في بني أميه، وجعل ولده كبعض مَنْ يعطي، فبدأ ببني أبي
العاص، فأعطى آل الحكم رجالهم عشرة الآف، فأخذوا مئة ألف، وأعطى بني عثمان مثل ذلك، وقسم في بني العاص، وفي بني العيص، وفي بني حرب (?)، فهذه النصوص وغيرها وممَّا اشتهر عنه، وما صحَّ من الأحاديث في فضائله الجمّة تدل على ما قيل فيه من إسرافه في بيت المال، وإنفاق أكثره على أقاربه، وقصوره حكايات بدون زمام، ولا خطام (?).
إن سيرة عثمان رضي الله عنه في أقاربه تمثِّل جانباً من جوانب الإسلام الكريمة الرحيمة، لقوله تعالى: ((وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)) (الإسراء، الآية:26).كما أنَّها تمثِّل جانباً عملياً من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد رأى عثمان رضي الله عنه من رسول الله وعلم من حاله ما لم ير، أو يعلم غيره من منتقديه وعقل من الفقه ما لم يعقله مثله من جمهرة النَّاس، وكان ممَّا رأى شدَّة حبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاربه وبرِّه لهم، وإحسانه إليهم، وقد أعطى عمَّه العَّباس ما لم يعط أحداً عندما ورد عليه مال البحرين (?)، ولعثمان وسائر المؤمنين في رسول الله أعظم القدوة (?)، وقد ردَّ ابن تيمية ـ رحمه الله ـ على من اتَّهم عثمان بتفضيله أهله