معركة اليرموك عقد قادة الجيوش مؤتمراً للحرب في الجولان .. ومر بهم أبو سفيان بن حرب فقال: ما كنت أظن أن أبقى حتى أرى أغلمة من قريش يذكرون أمر حربهم ويتذاكرون ما يكيدون به عدوهم ـ في منزلي ـ ولا يحضروني فاشترك معهم في مشورتهم، فأفسحوا له، فأسهم معهم في رسم خطة القتال (?). ولما أزفت ساعة الحرب في اليرموك عمد قادة الفريقين إلى إذكاء حماس الجنود، فبينما كان الروم يحضضهم القسيسون والرهبان، وينعون لهم النصرانية، حتى تشجعوا وخرجوا للقتال الذي لم يكن بعده قتال مثله (?)، كان المسلمون يتبادرون إلى لقاء الخطب البليغة والأرجاز المشيرة (?)،
بل أنهم عينوا أحد كبار شيوخهم والمخضرمين من رجالهم في مهمة ((القاص)) وكان ذلك الرجل هو أبو سفيان بن حرب نفسه (?)، ولا شك أن توليه ذلك العمل المهم هو أكبر دليل على صدقه وإخلاصه في دينه وإسلامه، إذ إن قادة الجيش لو علموا فيه آنذاك غير هذا الإخلاص ما جعلوه أميناً على تعبئة حماس الجند وإثارة حميتهم الإسلامية، ولو علم الجنود منه غير ذلك الصدق ما كان لعمله فيه ذلك الأثر العظيم، وقد كان اختياراً موفقاً فعلاً يتسق مع طبيعة تكوين ذلك الجيش الذي يضم الكثير من أهل مكة وقبائل العرب الذين تأخر إسلامهم، والذين احتفظوا بثقتهم القديمة في أبي سفيان، زعيمهم الذي خبروه (?)، وكان أبو سفيان رضي الله عنه يقف على الكراديس (?)، فيقول: الله الله، إنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك، اللهم إن هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل النصر على عبادك (?).
عندما توفي الصديق عام 13 هـ بويع الفاروق بالخلافة سار على نهج صاحبيه في استعمال بني أمية والثقة بهم، فلم يعزل أحد منهم من عمل، ولم يجد على أحد منهم مأخذاً والكل يعرف صرامة عمر، وتحريه أمر ولاته وعماله وتقصيه