الفصل الرابع
الفتوحات في عهد معاوية رضي الله عنه
نريد أن نسجل حركة الانسياح الإسلامي في الأرض، التي تمت في عهد بني أمية منذ عهد معاوية رضي الله عنه، لندحض كل وهم بأن الإسلام قد انتهى بعد عهد الخلفاء الراشدين، فحركة الفتح الإسلامي التي قامت في عهد الخلافة الراشدة وبني أمية ليست مجرد توسع في الأرض، ولا يجوز النظر إليها بهذا الاعتبار، إنما هي حركة أكبر حركة ((هداية)) للناس في التاريخ وأكبر حركة إخراج للناس من الظلمات إلى النور، وقد يبدو هذا الكلام في حس المثقفين لأول وهلة مجرد تشابه مع دعوى كل ((دولة عظمى)) أنها نشرت الحضارة في الأرض، وأن حركتها التوسعية كانت من أجل نشر تلك الحضارة، فلننظر إذن في تاريخ ((الإمبراطوريات)) في القديم والحديث: الإمبراطورية الفرعونية، والإمبراطورية الأشورية، الإمبراطورية الفينيقية، والرومانية، والفارسية، والهندية، والصينية، والبريطانية، والفرنسية، والأمريكية، والروسية، ... إلى آخر تلك الإمبراطوريات الجاهلية التي يعج بها تاريخ الأرض، كيف قامت أولاً؟ وما نشرت في الأرض؟، فأما قيامها على التسلط بالقوة، وقهر الآخرين وإذلالهم، وإخضاعهم لسيطرة الدولة الأم، وتحويلهم خدماً لتلك الدولة الأم، يمدونهم بالرجال المقاتلين، ويمدونهم بمختلف الخيرات، لتنتفش هي وتشبع وتتخم على حساب الجائعين المقهورين الأذلاء، فهذا أمر لا يحتمل المراء (?)،
وأما الذي نشرته في الأرض فلا شك أنها نشرت بعض الخير، إلى جانبه كثيراً من الفساد، لأن حياتها هي ذاتها وهي لا تهتدي بمنهج رباني ـ لا تشتمل إلا على بعض الخير والكثير من الفساد، وكل إناء ينضح بما فيه، وفاقد الشيء لا يعطيه، وأما الحضارة الغربية اليوم، ففظائع الاستعمار الذي صاحب تلك الحضارة من احتلال أراضي الشعوب ونهب خيراتها وإذلال أهلها خير شاهد على فسادها، كما أن آخر إفرازات هذه الحضارة الذي يسمى النظام العالمي الجديد، إن هو إلا نوع جديد من الطغيان تمارسه الدول القوية على الدول الضعيفة، ومن أبرز مآثره التخطيط للتحكم في الدول المنتجة