سريع، وكأنه من المستحيل أن يبذل ابن العاص نصره لقضية اجتمع حولها آلاف الرجال في الشام وغيرها ـ وهي الطلب بدم عثمان ـ إلا إذ نال ولاية مصر وخراجها لنفسه، وبعض هذه الروايات تحوي سباباً لهذين الصحابيين، كأن تزعم أن عمرو فضل ولاية مصر على

حسنى الآخرة وصرح بذلك فقال: إنما أردنا هذه الدنيا (?)، أو أنه قال لمعاوية: لا أعطيك من ديني حتى آخذ من دنياك (?)، أو قوله: إنما أبايعك بها ديني ((أي بمصر (?)، أو قوله لمعاوية: ولولا مصر وولايتها لركبت المنجاة منها، فإني أُعلم أن علي بن أبي طالب على الحق وأنت على ضده (?)، إلى غير ذلك من الروايات (?)، وهكذا روايات باطلة وموضوعة عند المسعودي وكتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة وغيرها تمسخ عمرو بن العاص إلى رجل مصالح، وصاحب مطامع وراغب دنيا، وقد تأثر بالروايات الضعيفة والموضوعة والسقيمة مجموعة من الكتّاب والمؤرَّخين، فأهووا بعمرو إلى الحضيض، كالذي كتبه محمود شيت خطاب (?) وعبد الخالق سيِّد أبو رابية (?)،

وعباس محمود العقَّاد الذي يتعالى عن النَّظر في الإسناد، ويستخفُّ بقارئه، ويظهر له صورة معاوية وعمرو رضي الله عنهما بأنَّهما: انتهازيَّان، صاحبا مصالح، ولو أجمع الناَّقدون التاريخيون على بطلان الرِّوايات التي استند إليها في تحليله فهذا لا يعني للعقَّاد شيئاً، فقد قال بعد أن ذكر روايات ضعيفة، واهية، لا تقوم بها حجة: ... وليقل الناقدون التاريخيون ما بدا لهم أن يقولوا في صدق هذا الحوار، وصحَّة هذه الكلمات، وما ثبت نقلة، ولم يثبت منه سنده، ولا نصُّه فالذي لا ريب فيه، ولو أجمعت التواريخ قاطبة على نقضه: أن الاتفاق بين الرجلين، كان اتفاق مساومة، ومعاونة على الملك، والولاية، وأن المساومة بينهما كانت على النصَّيب الذي آل على كلِّ منهما، ولولاه لما كان بينهما اتفاق (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015