إنتهاء حربه معه ووفاته، فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول، وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه.
3 ـ أن معاوية رضي الله عنه كان رجلاً ذكياً مشهوراً بالعقل والدهاء، فلو أراد حمل الناس على سب علي ـ حاشاه ذلك ـ أفكان يطلب ذلك من مثل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو من هو في الشجاعة والفضل والورع، مع عدم دخوله في الفتنة أصلاً، فهذا لا يفعله أقل الناس عقلاً وتدبيراً، فكيف بمعاوية.
4 ـ أن معاوية ـ رضي الله عنه ـ انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما له واجتمعت عليه الكلمة ودانت له الأمصار بالملك، فإي نفع له في سب علي؟ بل الحكمة وحسن السياسة تقتضي عدم ذلك، لما فيه من تهدئة النفوس، وتسكين الأمور، ومثل هذا لا يخفى على معاوية.
5 ـ إنه كان بين معاوية ـ رضي الله عنه ـ بعد استقلاله بالخلافة وأبناء علي من الألفة والتقارب، ما هو مشهور في كتب السير والتاريخ (?)، ومن ذلك أن الحسن والحسين وفدا على معاوية فأجازهما بمائتي ألف. وقال لهما: ما أجاز بهما أحد قبلي فقال له الحسين رضي الله عنه: ولم تعط أحد أفضل منا (?)، ودخل مرة الحسن على معاوية فقال له: مرحباً وأهلاً بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر له بثلاثمائة ألف (?). وهذا مما يقطع الكذب مما يدَّعي في حق معاوية من حملة الناس على سب علي، إذ كيف يحصل هذا مع ما بينه وبين أولاده من هذه الألفة والمودة والاحتفاء والتكريم، وبهذا يظهر الحق في هذه المسألة، وتتجلى الحقيقة (?)، كما أن المجتمع في عمومه مقيد بأحكام الشرع حريصاً على تنفيذها، ولذلك كانوا أبعد الناس عن الطعن واللعن والقول الفاحش والبذيء (?)، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب الأموات المشركين فكيف بمن يسب أولياء الله المصلحين، فعن عائشة رضي الله عنها ـ مرفوعاً: لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا (?).