التابعين، وشهدوا له بالدين والعلم، والعدل والحلم، وسائر خصال الخير (?). وقد ثبت هذا في حق معاوية ـ رضي الله عنه ـ كما أنه من أبعد المحال على من كانت هذه سيرته، أن يحمل الناس على لعن علي رضي الله عنه على المنابر وهو من هو في الفضل، ومن علم سيرة معاوية ـ رضي الله عنه في الملك، وما اشتهر به من الحلم والصفح، وحسن السياسة للرعية ظهر له أن ذلك من أكبر الكذب عليه، فقد بلغ معاوية ـ رضي الله عنه في الحلم مضرب الأمثال، وقدوة الأجيال (?)، وقد فصلّنا في صفة الحلم في شخصية معاوية فيما مضى.
وأما ما استدل به الشيعة على تلك الفرية من صحيح مسلم فليس ما يدل على زعمهم، فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ذكرت ثلاثاُ قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحب إليّ من حمر النعم (?)، قال النووي: قول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب. كأنه يقول: هل امتنعت تورعاً أو خوفاً، أو غير ذلك، فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب، فأنت مصيب محسن، ولعل سعد رضي الله عنه وقد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار أن أنكر عليهم، فسأله هذا السؤال: قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ (?)، وقال أبو العباس القرطبي صاحب المفهم معلقاً على وصف ضرار الصُّدائي لعلي رضي الله عنه وثنائه عليه بحضور معاوية، وبكاء معاوية من ذلك وتصديقه، لضرار فيما قال: وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل علي رضي الله عنه ومنزلته، وعظيم حقه ومكانته، وعند ذلك يبعد عن معاوية أن يصرح بلعنه وسبّه، لما كان معاوية موصوفاً به من العقل والدين، والحلم وكرم الأخلاق وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ وهذا ليس