قبرك مَتى مت وتربح دِرْهَمَيْنِ لم يَكُونَا فِي حِسَابك فَإِن لم أحفر رَددته على وَرثتك أَو رده كفيلي عَلَيْهِم فَخَجِلَ أَبُو الْعَتَاهِيَة وَقَالَ اغرب لعنك الله وَغَضب عَلَيْك وَضحك جَمِيع من حضر وَمر السَّائِل يضْحك فَالْتَفت إِلَيْنَا أَبُو الْعَتَاهِيَة وَقد اغتاظ فَقَالَ من أجل هَذَا وَأَمْثَاله حرمت الصَّدَقَة فَقُلْنَا لَهُ وَمن حرمهَا وَمَتى حرمت فَمَا رَأَيْت أحدا ادّعى أَن الصَّدَقَة حرمت قبله وَلَا بعده
وَقَالَ قلت لأبي الْعَتَاهِيَة أتزكى مَالك فَقَالَ وَالله مَا أنْفق على عيالي إِلَّا من زَكَاة مَالِي فَقلت لَهُ سُبْحَانَ الله إِنَّمَا يَنْبَغِي لَك أَن تخرج زَكَاة مَالك للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فَقَالَ لي لَو انْقَطَعت عَن عيالي زَكَاة مَالِي لم يكن فِي الأَرْض أفقر مِنْهُم
وَحدث أَيْضا قَالَ كنت جاراً لأبي الْعَتَاهِيَة وَكَانَ لَهُ جَار يلتقط النَّوَى ضَعِيف سيء الْحَال متجمل عَلَيْهِ ثِيَاب فَكَانَ يمر بِأبي الْعَتَاهِيَة طرفِي النَّهَار فَيَقُول أَبُو الْعَتَاهِيَة اللَّهُمَّ أعنه على مَا هُوَ بسبيله شيخ ضَعِيف سيءالحال عَلَيْهِ ثِيَاب متجمل اللَّهُمَّ اصْنَع لَهُ اللَّهُمَّ بَارك فِيهِ فَبَقيَ على هَذَا إِلَى أَن مَاتَ الشَّيْخ نَحوا من عشْرين سنة لَا وَالله إِن تصدق عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ وَلَا دانق قطّ وَمَا كَانَ زَاده على الدُّعَاء شَيْئا فَقلت لَهُ يَا أَبَا إِسْحَاق إِنِّي أَرَاك تكْثر الدُّعَاء لهَذَا الشَّيْخ وتزعم أَنه فَقير معيل فَلم لَا تَتَصَدَّق عَلَيْهِ بِشَيْء فَقَالَ أخْشَى أَن يعْتَاد الصَّدَقَة وَهِي آخر مكاسب العَبْد وَإِن فِي الدُّعَاء خيرا كثيرا
وَقَالَ الجاحظ حَدثنِي ثُمَامَة بن أَشْرَس قَالَ دخلت يَوْمًا على أبي الْعَتَاهِيَة فَإِذا هُوَ يَأْكُل خبْزًا بِلَا شَيْء فَقلت لَهُ كالمنكر كَأَنَّك رَأَيْته يَأْكُل خبْزًا وَحده فَقَالَ لَا وَلَكِنِّي رَأَيْته يتأدم بِلَا شَيْء فَقلت وَكَيف ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت قدامه خبْزًا يَابسا من دقاق فطير وَقَدحًا فِيهِ حليب فَكَانَ يَأْخُذ الْقطعَة من الْخبز فيغمسها فِي اللَّبن ويخرجها فَلم تتَعَلَّق مِنْهُ بِقَلِيل وَلَا كثير فَقلت لَهُ كَأَنَّك اشْتهيت أَن تتأدم بِلَا شَيْء وَمَا رَأَيْت أحدا قبله تأدم بِلَا شَيْء