أحد قطّ على جمع شعر هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة بأسره لكثرته وَكَانَ غزير الْبَحْر كثير الْمعَانِي لطيفها سهل الْأَلْفَاظ كثير الافتنان قَلِيل التَّكَلُّف إِلَّا أَنه كثير السَّاقِط المرذول مَعَ ذَلِك وَأكْثر شعره فِي الزّهْد والأمثال وَكَانَ قوم من أهل عصره ينسبونه إِلَى القَوْل بِمذهب الفلاسفة مِمَّن لَا يُؤمن بِالْبَعْثِ والنشور ويحتجون بِأَن شعره إِنَّمَا هُوَ فِي ذكر الْمَوْت والفناء دون النشور والمعاد
وَحدث الْخَلِيل بن أَسد النوشجاني قَالَ أَتَانَا أَبُو الْعَتَاهِيَة إِلَى منزلنا فَقَالَ زعم النَّاس أنني زنديق وَالله مَا ديني إِلَّا التَّوْحِيد فَقُلْنَا لَهُ قل شَيْئا نتحدث بِهِ عَنْك فَقَالَ
(أَلا إِنَّنَا كلَّنا بائدُ ... وأيُّ بني آدمٍ خالِدُ)
(وبَدؤُهُم كانَ من رَبِّهم ... وكُلٌّ إِلَى رَبِّهِ عَائدُ)
(فَيا عَجَباً كيفَ يُعصي الإلهُ أم كيفَ يجحدهُ الجاحد ... )
(وَفِي كلِّ شَيْء لَهُ آيةٌ ... تَدُلُّ على أَنهُ وَاحِد) // المتقارب //
وَكَانَ من أبخل النَّاس مَعَ يسَاره وَكَثْرَة مَا جمعه من الْأَمْوَال
وَحدث مُحَمَّد بن عِيسَى الْخرقِيّ قَالَ وقف عَلَيْهِ ذَات يَوْم سَائل من العيارين الظرفاء وَجَمَاعَة من جِيرَانه حواليه فَسَأَلَهُ دونهم فَقَالَ لَهُ صنع الله لَك فَأَعَادَ السُّؤَال فَرد عَلَيْهِ فَأَعَادَ الثَّالِثَة فَغَضب وَقَالَ لَهُ أَلَسْت الَّذِي يَقُول
(كلُّ حَيّ عِنْد ميتتهِ ... حظُّهُ من مَاله الْكَفَن) // المديد //
قَالَ نعم قَالَ فبالله عَلَيْك أَتُرِيدُ أَن تعد مَالك كُله لثمن كفنك قَالَ لَا قَالَ فبالله كم قدرت لكفنك قَالَ خَمْسَة دَنَانِير قَالَ فاعمل على أَن دِينَارا من الْخَمْسَة وضيعته قِيرَاط وادفع إِلَيّ قيراطاً وَاحِدًا وَإِلَّا فَوَاحِدَة أُخْرَى قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ الْقُبُور تحفر بِثَلَاث دَرَاهِم فَأعْطِنِي درهما وأقيم لَك كَفِيلا بِأَن أحفر لَك بِهِ