فَأَخَذُوهُ ومضوا بِهِ فخرقوا أثوابه وساجه وَأتوا بِهِ إِلَى الْمَنْصُور وَكَانَ يُؤْتى بِكُل من أَخذه العسس فحبسه مَعَ الدَّجَاج فِي بَيت فَلَمَّا أَفَاق جعل يُنَادي غُلَامه مرّة وجاريته مرّة فَلَا يجِيبه أحد وَهُوَ مَعَ ذَلِك يسمع صَوت الدَّجَاج وزقاء الديكة فَلَمَّا أَكثر قَالَ لَهُ السجان مَا شَأْنك قَالَ وَيلك من أَنْت وَأَيْنَ أَنا قَالَ فِي الْحَبْس وَأَنا فلَان السجان قَالَ وَمن حَبَسَنِي قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ وَمن خرق طيلساني قَالَ الحرس فَطلب مِنْهُ أَن يَأْتِيهِ بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاس فَفعل فَكتب إِلَى الْمَنْصُور

(أميرَ المؤمنينَ فدَتكَ نَفسِي ... عَلى مَ حبستني وخَرَقْتَ ساجِي)

(أمِنْ صَهْباءَ صافيةِ المزَاجِ ... كأنَّ شُعاعها لهبُ السِّرَاجِ)

(وَقد طبختْ بنارِ الله حَتَّى ... لقد صارَتْ من النطفِ النضاجِ)

(تهشُّ لَهَا الْقُلُوب وتشتهيها ... إِذا بَرزت تَرقرَقُ فِي الزجاجِ)

(أقاد إِلَى السجون بِغير جُرْمٍٍ ... كأنِّي بعضُ عمالِ الخراجِ)

(وَلَو مَعَهم حُبستُ لكانَ سهلاً ... وَلَكِنِّي حُبستُ معَ الدجاجِ)

(وَقد كَانَت تُخبرنِي ذنوبِي ... بأنِّي من عقابكَ غيرُ نَاجِي)

(عَلَى أَنِّي وَإِن لاَقيُت شرَّاً ... لخيركَ بعْدَ الشَّرّ راجي) // الوافر //

فَدَعَا بِهِ وَقَالَ لَهُ أَيْن حبست يَا أَبَا دلامة فَقَالَ مَعَ الدَّجَاج قَالَ فَمَا كنت تصنع قَالَ أقوقىء مَعَهم حَتَّى أَصبَحت فَضَحِك وخلى سَبيله وَأمر لَهُ بجائزة فَلَمَّا خرج قَالَ لَهُ الرّبيع إِنَّه شرب الْخمر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أما سَمِعت قَوْله وَقد طبخت بِنَار الله يَعْنِي الشَّمْس فَأمر برده ثمَّ قَالَ لَهُ يَا خَبِيث شربت الْخمر قَالَ لَا قَالَ أفلم تقل طبخت بِنَار الله تَعْنِي الشَّمْس قَالَ لَا وَالله مَا عنيت إِلَّا نَار الله المؤصدة الَّتِي تطلع على فؤاد الرّبيع فَضَحِك وَقَالَ خُذْهَا يَا ربيع وَلَا تعاود التَّعَرُّض لَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015