الحضارية إلى هذه الجهات كما أخذت القليل من مظاهر بعضها الحضارية؛ غير أن هذا القليل يمكن ملاحظته على أي حال.
ولا بد من أن نشير هنا إلى أن حضارة السهول التي انتشرت في كل من مصر وبلاد النهرين كانت حضارة سمحة بصفة عامة لا تتسم بالعنف أو القسوة، كما هو الحال في حضارات المناطق الجبلية أو الرعوية؛ وإن كان أهل بلاد النهرين قد اتجهوا في بعض مظاهر حضارتهم إلى شيء من هذا؛ فإنما يرجع ذلك إلى ما ينتاب بيئتهم أحيانًا من مظاهر كونية عنيفة كالعواصف وغيرها كما أن الجزء الشمالي منها تكثر به المرتفعات مما يوحي بأن الأشوريين الذين سكنوا في هذه المنطقة كانوا أصلب وأعنف من البابليين الذين نشئوا في جنوب ووسط بلاد النهرين.
ومن دراسة تاريخ المنطقة يتبين لنا أن المناطق الجبلية حينما أخذت بأسباب الحضارة كانت تدين في أكثرها إلى حضارات سكان السهول، ومع أن الدول التي نشأت في المناطق الجبلية مثل الدولة الحيثية في آسيا الصغرى والدولة الفارسية في إيران قد انتزعت السيادة من دول السهول التي نشأت في بلاد النهرين ومصر كما انتقلت إليها مظاهر الحضارات السابقة ونشأت فيها مظاهر أخرى جديدة؛ إلا أن تلك السيادة وهذه الحضارة لم يقدر لهما البقاء بل سرعان ما انتقلا من إقليم الشرق الأدنى بسقوط هذه الدول، وعلى هذا يمكن القول بأن الحضارة في إقليم الشرق الأدنى شهدت دورين عظيمين: أولهما ظل مستمرًا في مناطق السهول، والثاني في مناطق الجبال