البشرية ميدان لمثل هذا النزاع؛ إلا أن لكل إنسان قوة خارقة تحصنه على الأخلاق الفاضلة؛ أي أن الإنسان حر الإرادة يختار بين النور والظلمة وهو مسئول عن أعماله؛ كذلك كانت تحض على فعل الخير وتبين أن طبيعة الإنسان الخيرة تدعوه إلى ذلك، كما حددت واجبات الإنسان في أمور ثلاثة: أن يعمل على جعل العدو صديقًا والشرير صالحًا والجاهل عالمًا، كما بينت أن أعظم الفضائل هي الصلاح والشرف والأمانة في الأقوال والأفعال؛ كذلك نصت على التقرب إلى الإله بالتطهر والتضحية والصلاة، ومع أنها نهت عن إقامة الهياكل والأصنام؛ إلا أن معتنقيها أقاموا المعابد على سفوح التلال وفي ساحات القصور وأواسط المدن وأشعلوا فيها النيران المقدسة قربانًا للإله أهورامزدا ثم بالغوا في تقديس هذه النيران؛ حتى وصلت إلى درجة العبادة كما قدسوا الشمس باعتبارها نار السماء الخالدة.
وقد أصبح الدين الزرادشتي المصدر الروحي للفرس منذ عهد "دارا الأول" واكتسب رجاله قوة وتأثيرًا في الناس إلى درجة أن أصبح ملوك الفرس لا يقبلون على شيء؛ إلا بعد استشارتهم، وتشير "الأفستا" إلى قرب نهاية العالم حيث تبين أن زرادشت ولد قبل نهاية العالم بثلاثة آلاف سنة وسيظهر من بعده ثلاثة أنبياء من نسله ينشرون دينه في فترات متباينة ويبعث الأخير منهم حينما تكون الدنيا خرابًا فتصلح الأحوال ببعثه ثم تنتهي الدنيا وتقوم القيامة ويخلو الكون من أعراض الشيخوخة والهزال والموت إلى الأبد.