ومن العسير أن نتتبع هذه التطورات؛ إذ لا توجد وثائق تدل عليها؛ ولكن يمكن أن نستنتج بعض مظاهر حضارتهم من الآثار التي خلفوها إلى جانب الآثار الدالة على حضارة السكان الأصليين، وتدل البقايا البشرية التي عثر عليها لهؤلاء القادمين الجدد على أن معظمهم كانوا من ذوي الرءوس العريضة أي أنهم كانوا يشبهون العناصر التي انتشرت في إيطاليا وغرب أوربا، وكانوا ينقسمون إلى جماعات قبلية حلت كل منها في جزء من أجزاء الهضبة، وكان الميديون والفرس "الإخمينيون" أهم هذه الجماعات وقد نزل الميديون غرب الهضبة ثم كونوا دولة قصيرة الأجل عرفت باسم الدولة الميدية، ونزل الفرس في الجزء الجنوبي الغربي، وأصبح اسمهم يطلق على هذه المنطقة التي استقروا فيها ثم صار علمًا على الدولة التي شملت الهضبة كلها وبلغت من الاتساع في وقت ما درجة جعلتها أعظم الإمبراطوريات في الشرق الأدنى.

والخلاصة أن ظهور هذه الشعوب في هضبة إيران واندماجها مع سكانها الأصليين قد بعث فيها حيوية فائقة ونهضة حضارية عظيمة؛ إذ بعد أن كانت الهضبة تسودها دويلات مدن أو دويلات حول المعابد سرعان ما تحولت هذه إلى اتحادات قوية ما لبثت أن كونت إمبراطوريات من أقوى الإمبراطوريات التي ظهرت في التاريخ وأبعدها أثرًا في ميدان الحضارة.

ومهما قيل عن اختلاف هذه الجماعات عن السكان الأصليين من جهة واختلاف قبائلهم ومكان استقرارهم من جهة أخرى فإنه من الممكن مع التغاضي عن قصر أجل دولة الميديين، أن نعتبر أن الحضارة التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015