قوية موحدة؛ بل انتظموا في جماعات صغيرة يرأس كل منها ملك ويستقرون حول مدن محصنة تحيط بها مناطق زراعية تابعة لها، وكانت هذه المدن هي العواصم التي يلجأ إليها أهل المناطق الزراعية ويحتمون داخل أسوارها عند الخطر، وكثيرًا ما كان يحدث النزاع بين تلك المدن فكان أكثرها تفوقًا تلك التي كانت وسائلها الدفاعية أكثر فاعلية، وبعضها كان يشغل موقعين أحدهما على الساحل والآخر يمثل جزرًا صغيرة في مواجهته يلجئون إليها عند اشتداد الخطر، وبالطبع كانت المدن المنيعة أقدر من غيرها على البقاء والازدهار، ومن جهة أخرى كثيرًا ما كانت هذه المدن تتفق فيما بينها لتحقيق مصالح مشتركة أو للتحالف ضد أخطار خارجية.

ومع أن الكنعانيين لم يتمكنوا من إنشاء دول كبيرة -كما أشرنا- إلا أنهم فرضوا شهرتهم في التاريخ لما امتازوا به من نشاط في الميدان الاقتصادي؛ فقد عملوا على تنمية زراعتهم وصناعتهم ونشطوا في الاتِّجار خارج وطنهم وأسسوا مستعمرات تجارية في مناطق بعيدة؛ ففي ميدان الزراعة لم يتركوا بقعة صالحة دون استغلال؛ حتى إنهم زرعوا السفوح الجبلية حيث حولوها إلى مسطحات متفاوتة الارتفاع يفصل بين كل منها والآخر جدار يمنع التربة من التآكل ويزيد في المساحة المنزرعة، وإلى جانب الزراعة كانوا يربون الأغنام والخنازير ومهروا في صناعة الفخار كما برعوا في صناعة النسيج والزجاج، وقد عرفت لديهم الأقمشة الصوفية منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد على الأقل، ونقلوا زراعة القطن من آشور وعرفوا نسيج الكتان كما عرفوا الحرير منذ القرن السادس قبل الميلاد تقريبًا، وقد ارتبطت حرفة صيد الأسماك بطريق غير مباشر بشهرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015