ومع كل فإن مخلفات هذه الحضارات التي ظلت قائمة والتي أمكن الكشف عنها قليلة للغاية ولا تكفي لأن تكون فكرة كاملة عن مظاهر الحضارة المختلفة التي سادت في تلك البقاع.
ومما يلاحظ على حضارات شبه الجزيرة بصفة عامة عدم وجود سلسلة متكاملة من المظاهر الحضارية؛ فهناك فجوات كثيرة في هذه السلسلة؛ فالآثار التي كشف عنها في مناطق محدودة من جنوب شبه الجزيرة والتي تمثل حضارات العصور قبل التاريخية لا تخرج عن كونها بعض آلات الصوان التي تشبه ما وجد في شرق أفريقيا من العصر الحجري القديم؛ مما أدى إلى افتراض نظريتين: إحداهما تشير إلى أن الحضارة انتقلت من شبه الجزيرة إلى الساحل الأفريقي؛ بينما تشير النظرية الأخرى إلى العكس من ذلك حيث تفترض وجود مركز إشعاع حضاري في شرق أفريقيا انتقلت منه ثقافة صناعة الصوان إلى جنوب شبه الجزيرة وغيرها. ولا نكاد نجد من المخلفات الأثرية ما يبين مظاهر حضارات تالية للعصر الحجري القديم؛ بل إن كل ما عثر عليه من مخلفات غير صناعات هذا العصر تشير إلى حضارات عصور تاريخية متأخرة.
وربما كانت أعظم المناطق الأثرية في جنوب شبه الجزيرة هي مأرب التي ذكرت في الكتب المقدسة؛ ففيها بقايا مباني ما زالت جدرانها قائمة وإن كان الكثير ما زال مطمورًا تحت الأكوام الأثرية، وهذه الجدران تدل على مبانٍ مختلفة، وإلى جوار تلك الجدران توجد أحجار كثيرة منقوشة ببعض الكتابات وبعض التماثيل وبقاياها. ويمكن أن يتتبع المرء في أطلال هذه المدينة مكان السوق القديم والسور، ويتضح منها