والحضارة تدل على سكنى الحضر والانتظام في مجتمعات تتعاون في معيشتها أما المدنية فتدل على سكنى المدن والانتظام في مجتمعات أكثر تعقيدًا ورقيًّا أو كما تقول بعض كتب اللغة: إنها تمثل الانغماس في حياة الدَّعة والترف.
فالحضارة على أي حال تمثل كل مظهر من مظاهر الإنتاج البشري أو غالبًا ما يحددها سلوك الإنسان وطرق معيشته وتفاعله مع البيئة؛ ولذا كان من الطبيعي أن تختلف كل حضارة في مظاهرها عن الحضارات الأخرى؛ فلكل حضارة من الحضارات -قديمها وحديثها- مظاهر مميزة وعلى هذا يميز الناس بين الحضارة المصرية والحضارة اليونانية والحضارة الإسلامية وهكذا.
ومن العسير إبراز مميزات كل من تلك الحضارات وخاصة القديمة منها لأننا -من جهة- مازلنا نشعر بقصور الدراسات المتعلقة ببعض مظاهرها ومما يزيد المشكلة تعقيدًا أن بعض المدونات لم يمكن تفسيرها تمامًا حتى الآن؛ كما أننا -من جهة أخرى- نستشهد على مظاهر هذه الحضارات بمخلفات أثرية نحن على يقين من أنها لم تكن منتشرة بين عامة الناس؛ وإنما هي من مخلفات ثراة القوم وخاصتهم فضلًا عن كونها تمثل أرقى ما كانوا يمتلكونه وأفضل ما وصلت إليه الفنون في أزمانهم؛ فهي بالأحرى تمثل مخلفات المدنية لا مخلفات الحضارة، ومع كلٍّ ينبغي أن لا نقلل من شأنها عند مقارنة الحضارات المختلفة بعضها بعضًا إذ لا سبيل إلى التعرف إلى مظاهر هذه الحضارات إلا عن طريقها.
ومع أن الكثيرين قد يتساءلون عن الأسباب التي تدعو الإنسان إلى الاحتفاظ بكثير من منتجاته الحضارية وهو ما أتاح لنا فرص العثور على