هذا الثغر الذي تتعطش الأمة في كل زمان ومكان إلى أهله ورجاله، الذين نور الله قلوبهم بالعلم، وشرح صدورهم بالعلم والحكمة والإيمان، فجعلهم به هداة مهتدين، يقولون الحق وبه يعدلون، هذا المقام العظيم الذي يقوم به المسلم مبلّغاً لشرع الله ودين الله عز وجل، فما أشرفه من مقام، وما أعظمه من ثغر جليل المرام، يوم يقف الإنسان لكي يبيّن الحلال والحرام ويفصّل الشريعة والأحكام، على نور من الله وهدى من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولذلك أخبر الله جل وعلا أنه تولى هذا المقام العظيم بنفسه، فقال في كتابه الكريم: ((يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ)) [النساء:176] ، يوم نزلت هذه النازلة برسول الأمة صلى الله عليه وسلم، فتولى الله جوابها وحلها ودفع إشكالها، وقد تقلدها رسول الأمة صلى الله عليه وسلم حين بين حلال الله وحرامه، وشرعه ونظامه، فهدى الله به الأمة إلى حكم الله في النوازل والمشاكل، ثم خلفه صلى الله عليه وسلم في هذا الثغر العظيم والمقام الجليل الكريم، أصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين.

فكانوا أئمة هداة مهتدين، يسيرون على نهجه صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً واعتقاداً، ثم تبعهم التابعون لهم بإحسان كلما مضى لهم جيل، تبعه على ذلك النهج جيل، فهم على أوضح حجة وأبين سبيل، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير ما جزى به عاملاً عن عمله، وما زالت الأمة بخير ما قام علماؤها بهذا الثغر، ولا تزال الأمة بخير مادام قد وجد فيها من يبيّن الحلال والحرام، ويفصّل الشريعة والأحكام، يلتزم بذلك المنهج المفضي إلى الجنة دار السلام، ولو لم يكن لفضل الفتوى إلا عظيم البلوى لكفاها شرفاً وفضلاً.

فإن العلماء –رحمهم الله- يقولون: يستدل على فضل الشيء بعظيم أثره في الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015