إذا جلست في مجلس العالم فكن حريصاً على الاستماع والإنصات، فلمجلس العلم حق، وانظر إلى تلك الآيات العجيبة من سورة طه، نبي من أنبياء الله، أراد الله أن يعلّمه، وأن يوحي إليه بدينه وشرعه، فقال له الله تعالى يخاطبه –وهو موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-، قال له كلمات استفتحها بقوله: ((إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)) [طه:12-14] ، أدب المجلس: اخلع نعليك، وأدب الحديث: استمع لما يوحى، فالله يعلمنا في هذا الخطاب أن الإنصات من حقوق مجالس العلم، وهذا هو شأن الصحابة من الجنّ بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: ((وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)) [الأحقاف:29] ، أنصتوا: وصية يوصي بها بعضهم بعضاً، فلما تأدبوا في مجلس العلم، نفعهم الله به. وأما شأن الصحابة من الإنس في الإنصات فهو شيء عجيب، ورد عنهم في الأحاديث الصحيحة أنهم كانوا إذا ذكّرهم النبي صلى الله عليه وسلم بركوا وكأن على رءوسهم الطير. وفي حديث سهيل بن عمرو في صحيح الإمام البخاري -يوم الحديبية- أنه قال يصف النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه: لا يرفع أحد منهم بصره في وجهه إجلالاً وإكباراً له –صلوات الله وسلامه عليه-.