بل إنه يجتهد في المذهب، فيقول: والصحيح من مذهب أحمد كذا، وغلط بعض أصحابنا في كذا وكذا، ويقول: ومن قال أن مذهب أحمد كذا فقط غلط لكذا وكذا. فتجده حجة في مذهبه، حجة خارجاً عن مذهبه.
كما في الإنصاف للمرداوي -رحمة الله عليه- إذا ذكر الخلافات داخل المذهب وقال: قال الشيخ، فمراده: شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، ويقطع ويقوي قوله بترجيحات شيخ الإسلام ابن تيمة، لماذا؟. لأنه قرأ علم إمام من الأئمة المشهود لهم بالإمامة والاقتداء بهم بالدليل، فوضع الله له البركة والخير في علمه.
ولا شك أن طالب العلم حينما يقرأ مثلاً أركان الصلاة بدليل في مذهب واحد، ليس مثل أن يقرأها في المذاهب الأخرى بأدلة متباينة متعارضة، فكيف يضبط؟! وهكذا طالب العلم، إذا لم يستطِع التمييز بين الأدلة يكتفي بالقول الراجح بدليله، ويمضي ويبقى على هذا، ويسير حتى ينتهي من الفقه كله، ويتصور أبوابه ومباحثه، ولا يهمك نقد غيرك لك، يلومك من يلومك، ويسفّه رأيك من يسفّهه، لا شأن لك به، كلنا أخذ الفقه بهذه الطريقة، كنا نأخذ على مشايخنا ونضبط أقوالهم، بالدليل لا مجرد أقوال رجال، لا.. بل بالدليل.
فلما انتهينا أصبح الفقه أمامنا منضبط، وبعد أن قرأنا على مشايخنا، وجدنا أقوال وأدلة تخالف ما كنّا تلقيناه على مشايخنا، فأخذنا بها وتركنا ما كنا عليه وخالفناهم؛ لقوة أدلتها، وما نقص ذلك من قدرهم ومنزلتهم في قلوبنا، أبداً والله، ولكن الحق أحبّ إلينا من كل أحد.
فلذلك: الطالب الذي يأخذ منهج معيّن، يفيد ويستفيد، ويصل إلى مرتبة الفقيه، وأما من يسلك كل يوم طريق ويتذبذب، لا تجد له أصلاً.